الجمعة، 26 أغسطس 2011

مَلائِكةُ الجَبلِ الأخضَرِ


م
لائكةُ الجَبَلِ الأخضَرِ ........ تَأليف : عَبُد الله مُحمد الطَائي
مِن سُويداءِ القلب أحببتُ هذهِ الرواية ، رُؤيةٌ واضِحَةٌ لـــفِكرٍ واعِي وَمُبدِع قُدَ مِن إحساسِ وانتماء وَوَطَنِيَةٍ لا حُدودَ لها ....
مِن وِجهَةِ نَظري هذهِ الرِواية تَأبينٌ حَقيقيٌ لـــرِجال صَدَقوا اللهَ ما عاهَدوا عَليه ، تَتَمثل الصُورة السردية فِيها أكثرَ مِنَ الوَصفِية فأرى فِيها غَيابَ الوصفِ الذي تَجِدُهُ فِي أغلبِ الرِوايات لكِنَكَ تَجِدُ أمراً فريداً أكثرَ أهميةَ عَما سَبق ألا وهُوَ "القضية " فالرواية لا تُعنى بِقصةِ فردٍ فَتحكي مِنَ الغُلفَةِ للغُلفَةِ وَاقِعهُ كما فِي رِوايات نَجيب مَحفوظ ، ولا تَتلو لنا قَضيَةَ اجتماعِيةً تَأتيها مِن كُلِ حدبٍ وَصوبٍ كما فِي أعمالِ عبدوه خال ، ولا كَذلِكَ تأتي عَلى ذِكرِ أمورٍ سياسيةِ بَحتةٍ وَحسب كما ترى الغالِبَ على عَبد الرحمان منيف ، لا يُوجَدُ فِيها ذلِكَ الخيالُ الذي حالما تَخرُجُ  مِن خِضمِهِ مُتلَفِتاً يميناً أو شِمالاً لِتُغَيِبَهُ ، فبيتُ القَصيدِ فِيها القَضية الشريفَةُ الأبيةُ التي تجدِلُها فِي صَفحاتِها، تلكَ القَضيةُ التي يُبذلُ فيها الغالي والرخيص التي إن حلت فِي أرضٍ نَسخت ما قبلها مِن الأمور إنها قِصةُ الوطَنِ والعُروبَةِ والانتماء ، تأتي سَريعَةَ السرد،حتى تَرى الأحداثَ تتسارع وَتُختَزَلَ خَمسُ سِنينٍ فِي صَفحةِ أو أقل ،إنكَ أحيانناً تشعُرُ بوجهِكَ يتلونُ باللونِ الذي اكتسى بِهِ الحدث وتَلوبُ فِي مُنحنياتِ حديثهم لا تَلوي عَلى شيءٍ سِوى قَلبِ الصفحة وَمُتابَعَةِ الحَدثِ عَلى قَلبٍ وَجل؛ فَكأنكَ فِي غيابت الجُبِ مِن عُمقِها التاريخي وتغوصُ لِسبعينَ خريفاً باحِثاً عن ما تتوكأ عليهِ لِتهُشَ بِهِ بعضاً مِن أحداثِها ...
فِي بادئِ الأمر لَم أجد مُبرِراً للكاتِبِ لاختِيارِهِ شَخصِيَةَ " وِداد" العراقيةِ وإبرازَها بِشكلٍ ملحوظ والعُزوف عن كُثرٍ مِنَ الشَخصِياتِ العُمانية التي رُبما قامَت بِدورها أو أكثر ، وَبينما الأحداثُ تُقلبني بَينَ كَفيها أدركتُ كُلَ الإدراك أن لهذهِ الشَخصية بُعداً عميقاً أرادَهُ الكاتِب وَلكم يُشكَرُ عليه فَلم تَكُن قَضِيةَ بيتٍ من بُيوتِ المُسلمين ولا قَضيةَ الجبلِ الأخضر وَحسب ولا حَتى تارِيخَ عُمان بل أرادَ الكاتِبُ أن تَكُون قضيَةُ الحربِ ضِدَ المُستعمر تلكَ التي يُكافِحُ لأجلِها العربُ بِرمَتها ، فقتالُ العراقيين ضِدَ نوري السيد وِقتالُ المِصرينَ ضِدَ إسرائيل وَكِفاحُ البحرين والكُويت من أجل النُهوضِ ببلدٍ حُرِ فِي ذاتِهِ وَغيرُها ؛ كُلها تَصُبُ فِي قالبٍ واحد يُسمى القوميَةَ العربية ففي أي أرضٍ كانت تُحققُ الغايَةَ ذَاتها ؛ و انتصار  بَلدٍ عَربي يَعني انتصارَ بَلدانِ العربِ من أقصاها لأقصاها وَكُل ذلِكَ مَنوطٌ بِوحدَتِهم إن كانَ على الصعيدِ الدولي أو الإقليمي عَلى حَدٍ سواء ....
رُغمَ أن الرِواية لا تَزيدُ عن 35 صَفحةً بِصَفحاتِ الـــA4 ورقمِ خَط 12 إلا أنها أتت بأمور بَعيدَةِ المدى فِي صَفحاتٍ قَصيرَةِ المدى فلا أخفي إعجابي باستعمال الكاتِبِ لِشخصِياتٍ حَقيقيةٍ لطالما استحَقت التَخليد وتُسلِطُ كذلِكَ الضوءَ عَلى أمورٍ بالِغَةِ الأهمية لنأخذ على سَبيلِ المِثال
·        الربطُ بَينَ أحداثِ الأمةِ العَربيةِ والإسلامية كالربطِ بينَ أحداث ثَورة 15 تموز التي قادها عبد السلام عارف فِي العراق ضِد الشِيوعية وتداعِيات الأمر فِي مصر مع جَمال عَبد الناصر بالقَضيةِ العُمانيةِ وَكيفَ أن كُل الثَوراتِ العربية ساهمت وَلو مِثقالَ حَبةِ خردَلٍ فِي دفعِ القضيةِ قُدماً نحو الأمام  .
·        إظهار التَسامُح الذي جُبِلَ عَليهِ أهلُ عُمان مُنذ الأزل حَتى مَعَ العدو أو أنا هُنا لا أشيرُ إلى التخاذل بل إلى تِلكَ السمة الإنسانية فِي أولائك الصَناديد فهُم يُعطونَ للفردِ كُل كَرامَتهِ وحُرياتِه فَترى أسراهُم وَهُم مِن الجُنودِ الإنجليز طَليقي الأيدي غَير مُصَفدي الأرجُلِ يُؤدونَ شَعائِرَهُم دُونَ إيذاءٍ وَلو بِكَلمة لا يَبخلونَ عليهِم بِدواءٍ رُغم قِلتهِ ولا بِطعامٍ وَشرابٍ رُغم شُحهِ وانعدامِهِ ولا تَفوتني فِي هذهِ العاجِلة  ذِكرُ قِصَةِ "الإمام الوارِث بِن كَعب" فِي هذا الصدد فَكيفَ قَضى نَحبَهُ غَريقاً شَهيداً وَكُلُ ذلِك لإنقاذِ سُجناءٍ كانوا فِي قَلعَةِ "نزوى" فَسَبحَ لهُم بِكُلِ قُوَتِهِ مُسابِقاً الماءَ قَبلَ أن يَصِلَ لَهُم  ، فما الذي يَدفَعُ إنساناً لِيُضّحي بِحياتِهِ فِي سَبيلِ أَن يَعيشَ سُجناءُ لَهُ إلا ذَلِكَ الدينُ والخُلقُ الذي تَرصَعَ فِيهم وشَربوهُ لبناً صافِياً سائِغاً للشاربين ، إنَ هذا التعامُلَ السمح تعامُلَ الرسولِ صَلى الله عَليهِ وسلم وأصحابِهِ الكِرام هُو الذي كان كَجُزءٍ لا يتجزأُ مِن حَياتِهم وَتعامُلاتِهم فِي حِين أننا نرى المَرعى فِي فِي الجانِب الآخرِ _ الإنجليز_  أسود حالِكاً كقطعٍ مِنَ الليل وَهُم يَهيمونَ فِي الأرضِ لإزالَةِ خِزيٍ عَفَرَ جَبينَهُم وَهُم بذلِكَ الابتذال والتَعنُتِ والحقارةِ والقذارة فَهُم يَسومونَ الناسَ سوءَ العذاب وَهُم لا يَتقونَ أحداً في الناسِ ولا يَخافُونَ إلاً ولا ذِمة ، يَغرِسونَ خِنجراً في طِفلٍ رَضيع وَيقتلونَ نساءً لا حولَ لَهُنَ ولا قُوة ويَكَبِلونَهُنَ بالأصفاد ويَسقونَهُنَ السُم هذا ناهيكَ عَنِ الرِجالِ بالدرَجةِ الأولى ، يَقصِفونَ بيوتاً لَم تَعرف غَير الطينِ أساساً لها وكُلُ هذا فِي سَيلِ خواء ....قَتلاهُم وَقودُ النار وَقتلانا فِي الجنةِ ...رُغمَ كُلِ ذلِكَ الاضطهاد لَم تَزل مبادئهم هِي تِلكَ التي لا تَهُزها الرياحُ العواتي ولا يَجرِفُها أقسى طُوفان وَرُغمَ أن الحياة صَهرت كَلَ عُنفُوانِيَةٍ للبقاءِ لَديهم وَهُم يَتجَرعونَ حُرقَتَهُ وَحريقَهُ وَأن كُلَ يومٍ يَمُرُ عَليهم لا يَزيدُهم إلا رَهقاً لَم يُبادِروها إلى بالصبرِ تَقرُباً للمولى رُغم تكالُبِ الأعداءِ الحقير لِتذر مَكائِدهم وحَبائِلهم قاعاً صفصفاً   ...... لَكَم هُم عُظماء

·        تُشيرُ الرِوايةِ  فِي إحدى فُصولِها إلى فُتورِ الهمةِ والفُرقَةُ للمجاهِدينَ والتي يُمكِنُ أن تطالَ أي ثورةٍ لَكن لولا تَدارُكُ الأمرِ و عَدم تركُ الحبلِ عَلى غاربيهِ  لَكان يُمكِنُ أن يَحدثَ أسوء ما يَتم توقُعُهُ ،وَكما سَطَرَ التاريخ عَن قُواد عَرب رَفضوا المُستعمر ولَفظُوهُ خارِجَ جُغرافِيتهم لِسنينَ عِجاف وَبَعدَ ذلِكَ وللأسفِ الشديد تَخورُ هِمتهم ويُبدِلونَ أسمالَهم بأخرى مثقُوبَة يَتسربلُ منها الضعف واليأس فتغدوا حينها الخِيانَةُ خِيانَتين فحالما يّدبُ مرضُ "الأنا" والتفرق يستشري وباء الضعف فَينهَشُ كُلُ مِنا أخاه وَيغدوا العطاءُ والبذلُ آخر ما نُفَكِرُبِه؛ وَهذا جُلُ ما يَطلبهُ العدو ...

"وَمِن هُنا أُعلِنُها صريحة أننا منذُ اليوم لن نعمل لِشخصٍ حَتى إذا كَان هذا الشَخص هُوَ الامام نَفسهُ بل نَعمل للمُحسِن سواءً كان إماماً أوقائداً أو جُندياً ،أو فرداً عادِياً ، كما إنني أُعلِنُها صَريحة أننا نَعمل لِعُمان وَطناً واحِداً غَيرَ مُجزأ"*....

·        وَلكم استَهجنتُ عَدمَ السَماحِ لنَشرِ هذهِ الرِواية فِي أيٍ من مَطابِعِ السلطَنة فِي حِينِ أن القائِمينَ على النَشرِ وَالماسِكينَ لِزمامِهِ لا يَتهاوَنون أو يَدَخِرونَ جُهداً فِي نَشرِ أي كِتابٍ مُبتَذلٍ يُعهِرُ الذوق العام ، فَكيفَ يُباعُ الغالي بِثمنٍ بَخسٍ دراهِمَ معدودة وَنكونُ فِيهِ مِنَ الزاهِدين ؟ وَكيفَ نُحرَمُ نحنُ كَشبابٍ عُمانيين أن نَعرِفَ عَن تارِيخنا ما يُشبِعُ نَهمنا وألا يُعَدُ هذا حِكراً علينا ؟ ثُمَ إن هذه الرِواية ليسَت أوراقاً تَنشُرُ غَسيلَ السِياسة إنها بالدرَجةِ الأولى تُعنى بالدينِ والأخلاقِ والانتماء ، هذا الثالوثُ الذي لا يَتجزأ فمم الخوف ؟ وإن كانَ فِي مَحلِهِ لَن يَكونَ إلى شُعوراً بالنقصِ ووجودِ بُقعةٍ مثقوبَةٍ موبوءة وَمشومةَ بهِ يَخشاها مَن يَخشاها لِعلةٍ ما ....

كُلُ ما أستَطيعُ قولَهُ هُوَ أنني تَمنيتُ ووددتُ لَوَ أن هذِهِ الأوراق امتدت وأسهبت لتربو عَن 600 صَفحَةٍ أو أكثر كَكُتِبِ "دانِ براون" حَتى تَظلَ أحداثُها نُصبَ أعيننا وإنني أدعو كُلَ عُمانيٍ ملءَ الجَبهَةِ والجبين بالمُرورِ عَلى هَذِهِ الصفحات وادعوا كُلَ عَربي يَعتَزُ بدِماءِ العُروبةِ أن يَتلوها حَتى يَكونَ على دِرايةٍ بأبطَالٍ كسُليمان بِن حِمير و  كغالب بن عَلى الهنائي وطالِب بن عَلي وَصالِح بن عَلي الحارِثي  مُحمد بِن خَلفانِ الهدابي و كَخالِد وَوِداد وَغيرهم الذينَ يَتوجَبُ عَلينا أن نُريقَ الكَثيرَ مِن الحِبرِ عَلى أعقابِهم .....
"وإذا قُدِرَ لَكَ حينذاك أن تَرى عُمان فَسل عَن خالِد لِتراهُ فِي كُلِ بيتٍ وسل عَن وِداد لِترى شَخصها يملأ بيتَ خالِد الجُلنداني ومبادءُها يُعمر بها كُلُ بيتٍ فِي عُمان "*

وَكالأبطالِ جاءوا كانَ رَحيلهم لا يَقِلُ بِسالة حَتى تَستَشعِرَ وأنت تَقرأ إبرة الإيمانِ تلكَ التي نَسَجتهُم عَلى جُدرانِ الصبر لِيظلوا مُتَمسِكينَ حَتى الرمَقِ الأخير بِهدفٍ سامٍ فَلكم يَحِقُ للتاريخِ أن يَتفاخَرَ مُتبَختِراً بَأن حَوى بَينَ كَفيهِ سِيرتَهم .....

أيها المُجاهِدونَ الأبطال لَكُم مِني سلامٌ عاطِر .... سَقى الله أرضَكُم بالخيرِ دوماً ...

بِكُلِ اختِصار أحببتُ الرِوايَةَ وَبِعُنف : أصيلةَ أحمد الكندي ..24/8/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق