لكِنما الليلُ الطَويلُ صَديقِي
الفصلُ الثاني : نعم رَغِبت
لِكُل المنكوبِين فِي البقاع العربيةِ وَهُم يِطلونَ مِن غيهَبِ الوَجعِ الذي يلتَحفُونَ بِهِ ...أَنا لَم أنَسَكم
لِكلِ الذين يَعتقِدونَ بِأنَ الشرَ عَميقٌ فِي النفسِ البَشرية ...إِنهُ ليسَ كذلكِ
لِكُلِ الذينَ تأخُذهم الحياةُ بعيداً لِحدودها المظلمة وَيومَ يتَوقفونَ فِي إحدى رُدهاتِها بحثاً عن طريقِ العودةِ وَيجِدونَهُ ..لا يَعودُون ظناً مِنهم أنهم سَيخسرون الاثنينِ معاً ...... لا تَفعلوا ذلكَ مَن يتقِ الله يَجعل لهُ مخرجاً
لِكُلِ القانِطين ، المفتَرشينَ اليأسَ مَن لا يعتَقِدونَ أن كُلَ يومٍ سيءٍ يمرُ علينا يَدفعنا قُدماً نحوَ العطاء.... مساؤكم / صَباحُكم ثِقة
لأخي الصغير الذي قالَ لِي يوماً " سأقهَرُ الظلمَ بهذا" مُشيراً إلى رَشاشِ لُعبَةٍ بِيديهِ عَله يتعَلمُ القراءة سَريعاً وَيجدُ طَريقَةً يَقهَرُ بِها الظلمَ غَير العُنف !!
(14)
لِكُلِ مِنا نَظرَةٌ ومبادئٌ قلما يُشاطِرُهُ فِيها أَحَدٌ فِي هذا الفَضاءْ، لَــــكِنْ مِنا مَن يتَأَبَطُ ذَراعَها لِسنينْ يَجُرُها مَعَهُ جَراً كَجُزءٍ مِنهُ ،يُوجِدُ لِنَفسهِ المُبَرِراتْ وَيُسبِغُ شَرحاً لِمنْ حَولَهُ سِرَ تَعَلُقِهِ بها كجُزءٌ لا يَتَجَزأُ مِنْ كُل يَرفُضُ أَنْ يَقذِفَها خارِجَ جُغرافِيَته يوقِنُ أنَها سَتُعَوِضهُ صَبرَهُ وتَصَبُرَه ... وحَقاً لا تَنساهُ ويأتِي وَقتُ السَداد = إيناس
حُقولَ آمالِي لطاما نَفَشَتْ فِيَها غَنمُ القومِ ، لطاَما كانَتْ مَرتَعاً أخضرَ لِتَجريحَهم وسُخرِيَتِهم اللاذِعة لَمْ أشكِ للأحد فَلا أَحَد كَسُليمان يَقتَصُ لي ، تَقَوقَعتُ عَليها قَدرَ ما استطَعتْ ونَفَضتُ عَنِي غُبارَهُمُ النَجِس واغْتَسَلتُ مِن افتِرائهمْ وأكَاذِيبِهم ،لَمْ أَكُنْ أجِدُ سوى الماءِ البارِد الصقِيع وفِي أحايين لا أَجِدُ سوى الحارِ الذي يَشويِ البطون ، مَعَ ذلِكَ أسبَغتُ الوضوءَ عَلى المكَارهِ ما استَطْعت ، أَغَلقتُ الأبوابَ دُونهُمْ أَقنعتُ نفسِي وَكَمْ كانَ الإقناعُ صَعباً أَنَهُمْ لَيسوا سِوى شرذمةٍ قَليلُون وإن تَسمَع لِقَولِهمْ كأَنَهُمْ خَشَبٌ مُسَنَدةٌ يَحسَبونَ كُلَ صَيحَةٍ عَليهِم كالمُنافِقين ،وهاهي ذِي الأَيامُ تَدفَعُ لِي أَجرَ صَبري في دُنيايَ قَبلَ أُخراي ، آآآآه مــــــــَا أَروَعَهُ مِن شُعُور .... ذلِكَ الذي يُصيرني شاكِرَة !
شاكِرَةٌ لبَارِئي الذي أَسْبَغَ عَليَ مِنَ النِعَمِ وَأَحياني لِيومي وملأنِي سعادَةً أَكادُ أَجزِمُ أَنه لَمْ يَذُقها أَحدْ .!
شاكِرةٌ لنَفسيَ التي جَعَلت تَماثيلَهُمْ جُذاذاً حَتى كَبيرهُمْ لَعلَهُم إِليهِ لا يرجِعونْ لِيَتِيهوا فِي مَشارِقِ الأرضِ وَمغارِبِها بَحثاً عَن تِمثالٍ ناطِقٍ بالحقيقةِ أو هُدهُدٍ يأتِيهمْ بنبأِ يَقينْ !
شاكِرة لكُلِ المتَزَلِفين كُلِ مَن نَثَرَ الشَوكَ ببراعَةٍ في حُقولِ أهدافي ولِكُلِ مَن اصطاد في الماءِ العَكِرْ ولا يزال لأنَهم جَمِعاً أَوصَلوني لقَناعَةٍ مفادُها أنَ كُلَ الأمورِ التي تتوشَحُ بالجَمالِ في أَحلامِنا تتحَولُ لواقِعٍ مَلموسٍ ولو لِعقودٍ مِنَ الزَمن!
شاكِرةٌ لكَ يا إِبراهِيم ، لِروحِكَ التي تُراعِي وتلامِسُ قلوبَ الكُل بطريقَةٍ عَجِيبةٍ تَعصِفُ بالرأسْ وتَجعَلُها أَسيرَتِكَ مُعلقَةً بِكَ حَيثُ ما وَطأ قَلبُكَ الطاهِرُ وطَنناً ، كُنتُ ولا زِلتُ أبصُرُ تَبَرُمُكَ وموارَبَتكَ وأنت تَتَخَلَصُ مِنْ ثِقلِ الأَسِئلةِ التي تُعَريكَ وتَفضَحُ صدُودكَ ورَفضِكَ لِكُلِ ما يُنافي مبادِئكَ الرائِعَةِ مِن قَولٍ وَعَملْ ، أَيها الرائِعُ وأنا لا أُجِيدُ الكَذِبْ ، اليومَ وأنتَ تأَتيني بِوَرَقةٍ تُعطِيني إِشارةَ البدء بالذي انتَظرتُهُ طَويلاً حتَى أَثْقَلَني الاِنتِظارْ وَتَململتُ ،إشارَةَ البدءِ بِمَجَلتي الخاصَةِ بي ،تِلك التي لَن أَنتَظِرَ فِها صافِرَةَ البدءِ لأبدَأ ولا لِأقِفَ !
****
(15)
إِننا بِطَبِيعَةِ الحالِ نَكرَهُ الرَتابَةَ ونَعشَقُ صَخَبَ الحياةِ بِكُلِ أشكالِهِ حَتى لو ركَعنا للظُرُفِ واضطررنا لَلتَبَضُعِ بِبضاعَةٍ مُزجاة = إِبراهِيم
مساؤكَ سَجدَةٌ فِي مِحرابِ المولى يا صَدِيقْ
ومساؤكَ سَجدَتين يا أغلَى مِنَ الصَدِيقْ : من الأمور التي أنا واثِقٌ منها هي صحبتُكَ
أَهناكَ ما يُقلِقُكَ
نَعَمْ / لِمَ خَرَجتَ مُسرِعاً تَشُقُ الهواء كالصارمِ ؟ عَسى أَنْ يَكونَ خَيراً
آآآآه ماذَا أَقُولُ يا عِصامْ كُلهُ خَيرْ وَعسى أَنْ تَكرهوا شَيئاً وَهوَ خَيرٌ لَكُمْ
وَعسى أَن تُحِبوا شَيئاً وَهُو شَرٌ لَكُم ما الأَمر؟
استَجَدَ أَمرٌ طارئ فِي مَوضوعِ رَيان ساءت حَالَتُها هَكذا بِدونِ إشارَةِ إنذارْ آآآه أَحسستُ لحظَتها بِقُوَتي تَخورُ وَقَدَمايَ شارَفَتا عَلى الهَلاكِ ، مُجَرَدُ التَفكِيرِ بأسوأِ الأوضاعِ يُصِيبُني بالجَزَعْ!
كانَ اللهُ فِي عَونِكَ وَعَونِها ، لا تَجزَعْ يا إِبْراهيم إِنَ اللهَ إذا أَحبَ عَبداً ابتَلاهُ ،كَيفَ هِي الآن ؟
لَو قُلتُ لَكَ أَنَهُا بِحالَةٍ جَيدَةٍ لَكذَبتُ يا صَديقي ، هذه هي الحَياة تَأبى إِلا أنْ تُسقينا الحَنظل في كُؤوس الكَوثَرِ لا أنسى سحنة وجهها وهي تُعاتِبُنِي لِسَبَبِ أَجهَلُهُ يَقُضُ مَضجَعِي مُنذُ البارِحَةِ !
إنها تَحتاجُكَ بِشِدةَ فِي وَضعِها المزري لا تَترُك ذِراعَها مَا مَرت بهِ ليسَ بالأمَرِ السهلِ بَتاتاً
لا أَدرِي لِمَ أَشعُرُ أَنها تُحَمِلُني مَسؤُولِيةَ حالِها ؟
ألأنك مَنْ أَنقَذَها مِنَ الحادِث !
ربَما / إِني ما زِلتُ أؤمِنُ أنَ حالةَ أُختي نَفسِيَةٌ قَبلَ كَونِها عِلَةٌ مَرَضِيةْ يا عِصامْ والسَبَبُ الوحِيد لِتأَخُرِها عَنْ العِلاج هُوَ قُنوطُها ويَأْسُها
كَانَ رَبي فِي عَونِكُما ، لَا تَترُكْ ذِراعَها وَلوْ فِي أَحْلَكِ الظُرُفِ يا إِبراهِيم إِنهَا تَحتاجُكَ أَكثَرَ منْ أَيِ وَقتٍ مَضى
سأجعَلُها فَرضيَ السَادِسُ ما استطعتُ ،دَعواتكَ لي
غداً يومُ حافِلُ مُتَخَمٌ بالجِدِ للثانِيةِ الأخِيرةِ ،سَتُباشِرُ العَملَ فِي مَوقِعَين مُبارَكٌ عَلى افِتِتاحِ مَجَلَةِ "الأَملِ " وَصُدُورِ عَدَدِها الأوَلِ سَجِلنيِ مِنْ أَولِ الزَبائِنِ المُعجَبِينْ تَوَقَعتُها رائِعةً وَلَكِنْ لَيسَ إلى هذا الحَدِ ، صَدِيقي مِنْ سُويداءِ قَلبِي أَرجُو لَكَ مُستَقبلاً باهِراً ،
تُمسِي
عَلى
طَاعَةِ
المَولى
يــــا ....يـــــا جــَـ مِ يـــــل
أَسندَ إِبراهِيم رأسَهُ عَلى ظَهرِ الكُرسي وَهَمسْ
وأَنـــــــتَ
(16)
أَهُناكَ دَواءٌ يُرجِعُ ماءَ العَينِ الرَمداءِ إِن قَررتْ هِي أَن تترَمد ،هل هُناكَ آَلَةٌ قَادِرَةٌ عَلَى إِعادَةِ كأسِ لِحالِهِ الأولى إِن تَكَسَر دُونَ طَحنٍ وعَصرٍ وصَهرٍ شَدِيدْ وإِضافَةِ جِراماتٍ أُخرى جَديدَةُ العَهدِ عَلى الكأَسِ المِسكينْ تَعويضاً لِما فَقَده ،هل حقاً بالقَدرِ الذي تتأَلَمُ فيهِ بِذلِكَ القَدرِ أنتَ رائــــــــــِـــعٌ وَعَظيم ؟؟؟؟؟؟=ريّا
لا شَيءَ يُخرِجُ الإِنسانْ مِن بِركَةِ الحُزنِ الآسِنةِ إلا نَفسَهُ ...لا شَيء سِوى ذَاتَهُ ،لّكِنْ ماذا تَملِكُ فَتاةٌ تَبلُغُ مِنَ العُمرِ 15 رَبِيعاً أَمامَ تَعَنُتِ الحياةِ وعِنادِها الذي يُصهِرُ كُل رَغبَةٍ فِي العَيشِ فِي قَلبِها المَكلومِ ، ماذا تَملِكُ فتاةٌ لا يَحوي قَلبُها سِوى الإِلحادِ والنُكرانِ والقُنوطَ المُميت ....آآآآه فِي قَلبِي الصَغير مَن يتَبَرَجُ تَبَرُجَ الجاهِلِيةِ الأولى ومَن يَضرِبنَ بأَرجُلِهِنَ لِيُعلَمَ ما يُخفِينَ مِنْ زينَتِهن ومنْ يَرتَدُ عن دِينِه بِدونِ عَناء ومَن يَسرِق وَمن يُظاهِرُ بِنساءٍ ما هُنَ أُمهاتُهُ وأنا لا أَقوى عَلى تَطبيقِ أي حَدٍ عَليه ،لا أَقوى عَلى رَفعِ مِعوَلٍ أَقصِمُ بِهِ رؤُوسَهُمُ المُتَطاوِلَةُ المُجاهِرَةُ بالمَعصِية وأَقطَعَ دابِرَ الإلحادِ والغَيِ مَعاً ، وأَعذاري ساذِجَةٌ لِدَرَجِةِ أَني أَعلَنتُ أَنِي براءٌ مِنها ، وشرذمةُ أَفْكارِيَ البكرِ التَي أَجهَضتُها غَيرَ نادِمَةٍ عَليها و....
.
ريّا ....ريّا هَل أَنتِ بِخَير؟
آه ، نـــ نـــعَم لَيسَ بِي شَيء
أَمُتأكِدة ؟
70% لا 90% لا 100% إِنيِ بِخَير انظُري إِنني فِي أحسَنِ حَالاتِي يا إِيناس ،صمتت لَحظَةً ثُمَ أَردَفَت ، أَتُصَدِقِين للحظَةِ لا أَتَصَوَرُكِ فِي حَياتي لَكِ طَعمُ الأشياءِ الجَديدة تِلك التِي تتطَلَبُ مِنا وَقتاً لِنَعتادَ عَليها أُعذِرينِي عَلى هذا التَشبيه
لا لا بأسَ عَليكِ لَكِن هل هُناكَ سَببٌ ما ،هَل أُذَكِرُكِ بشخصٍ أو شيءٍ ما تَودِين لَو لَمْ تَعرِفيه أَوْ تَنسيه ؟
لا بَتاتًا أَظُنُ أنَني لَم أَتَصَور أَخي مُتَزَوجاً ههه
ههههههههه / يالهُ مِن سَبب
أَو أَو ... رُبما لِفَرطِ فَرحِي لَهُ ...... وَ وَ حُزنِي عَلى نَفسي
أَشاحَت ريّا بِوجهها جانِباً كَي لا تُشاهِد إِيناس عينيها المغرقتين بالدُموع فِي الوَقتِ الذِي كانت فِيه إِيناس تَستَذكِرُ كَلامَ إِبراهيمْ وَهو يَصِفُ لها حساسِيةَ أُخته المُفرِطة
كانت إيناسْ تَحسِبُ ألفَ حِسابٍ لِكُلِ كَلِمَةٍ تُخرِجُها كَي لا تَقَعَ فِي ذلكَ الضيمْ
إِيناسْ / أَخرَجها صوتُها الذي تَظهَرُ عَليهِ آثارُ البُكاء فاضِحةً هَشاشَتَهُ مِن حالِها
تَفَضلِي يا عَينَيها !
لِمَ جِئتِ اليَومَ بالذَاتِ ألاِنها دَقَائِقُ فقَطْ واَدخُلَ لِغُرفَةِ الفُحوصاتِ والتَي لَنْ أَخرُجَ مِنها سِوى بَعدَ أُسبوعٍ وبِحالٍ مِنَ الاثنَينْ : إِما أَنْ يُفقَدُ الأَملُ مِني كُلياً أَو تَعودُ قَدَمايَ لِلحَياةِ مِن جَديدٍ وَأنا فِي كِلتا الحَالَتينِ أَموتُ وأحي كُلَ يَومٍ هلَعاً أَجِئتِ لِهذا السَبَبِ يا إِيناسْ ؟
آه ..لــــللللا لَيــــــــسَ تَماماً ،فِي الواقِعِ كُنتُ أَعتَزِمُ المَجِيء مُنذُ مُدة لَكِن خَذَلَتنِي شَجاعَتي
شَجاعَتُكِ؟؟؟ هَل أنَا مُخِيفَةٌ لِهَذا الحَدِ ؟
لا كُنتُ أَقصِدددد
آه إِنني تِلكَ المَعرَكَةُ الصَعبَةُ التَي يَصعُبُ اجتِيازُها وهَاجِسُ الخَوفِ يَستَشرِي فِي القَلب لِذلِكَ وَجُبَ عَلَيكِ استِجماعُ قُوَتكِ لِكَي لا تَعُودي مُثَخَنَةً بالجِراح وَلَونِ الدمْ
بَتاتاً لَمْ أَكُن أَقصِدُ ما عَنَيتِ بَتاتاً
إَذاًااااااً مــــــــاذّا ؟ مـــــــاذاّ / آه فَهِمتْ كَيفَ أَمكَنني أن أَكُونَ قَاصِرةَ التَفكِير ولا أَفْطَنَ لِلحَقِيقةِ المُرَةِ إَلا مُتأخِراً ، إِنني تِلكَ المَرِيضَةُ التي يُحَتَمُ عَلى الكُلِ مُعامَلَتُها بِحذَر أليسَ كَذلِكَ ،إِنني تِلكَ التي تُرهِقُ الكُل حتى يُضطروا لِتَغيرِ لَهجَتِهم وأُسلوبِهم وَطِباعِهم مُراعاةً لِحالتها الصِحيةِ حَتى أَخِي لَمْ يَعُد ذَلِكَ العَفَويَ مَعِي كالسَابِق
صمتت قَلِيلاً وأكمَلتْ بِصَوتٍ مَخنوقْ ..... إِنني تِلكَ التِي أَتَبَوأُ مَقعِدَ الشَفَقَةِ فِي قُــــ لُــــوبِكُمُ أَلَستُ أَنطِقُ بالحَقِيقةِ
تَبَسَمتْ لَها إِيناسْ وَلَمْ تَنبِس بِبِنسِ شَفَةْ أومأتْ لَها بالمُوافِقْة لِكُلِ ما قالتْ كَانت تُدرِكُ أَنْ حالَةَ ريّا يَصعُبُ التَعامُلُ مَعها بَأي طَريِقةٍ مِن هَبَ وَدَبَ ،أَدرَكَتْ أَنَ للصَمتِ حِكمَةً تَفوقُ عَجيبَ الكَلامِ .
رُغمَ كُلِ ذلِكَ كانت رَيّا تُحاوِلُ استِنطاقها بِكُلِ ما أوتيت وتَحدثتْ لِتَفُض ذلِكَ الصمتْ : اقتَنَعتِ حقاً بِما أَقول ؟ لِمَ لَمْ تُدافِعي عَنْ نَفسِكِ كالبَقِية !
وَهَل قُلتِما قُلتِ لِتُقنِعيني أَم لِتَسمَعِي دِفاعِي ؟
الاثنَينِ مَعاً !
إِذن تَحَمَلِي نَتائِجَ طَلَبِكِ ، إِلَيكِ مِني كأُختِ ساقَها القَدَرُ إِليكِ تُحِبُكِ ...نَعَمْ تُحِبُكِ ! / مُشكِلَتُكِ يا رَيّا أَنَكِ تُفَكِرينَ فِي عُمقِ الأُمورِ بِطرِيقَةٍ تَصرِفُكِ عَنْ كُلِ الجَميل إِنكَ لا تَنظُرينَ للحياةِ وتَصَرُفاتِ مَنْ حَولكِ مِنَ الزاوِيةِ التي يَقصِدُونها ويَرتَئونها ، إنَكِ تُيَبِسينَ كُلَ جَميلٍ حَولَكِ وَتصبِغينَ كُلَ قولٍ وَفِعلٍ بلَونٍ سَودَاوي ، تُفَكِرينَ فِيما خَلفَ كَنهِ الكَلامِ فَتُصبِحُ فِي عَينِكِ غِشاوةٌ عَنْ كُلِ رائِعٍ فِيه وَفِي نَظَري هَذه عُقدةٌ يَتَوَجَبُ التَخَلصُ مِنها قبلَ أَن تتأَصَلَ بَذرَتُها لِيَعِيشَ المرءُ فِي سَعادَةٍ كَما يَصبو .......
سَعـــــــــااادَةْ !!!
بِعَينِها
.
.
.
وتّدَفَقَ سَيلُ الأحاديثِ بَينَهُما عَرِماً ،وَغَرَقَتْ الاثنتين فِي لُجَةٍ مِن الحُبورِ والضحكات فَقَدتاها مُنذُ زَمَن وكأختينِ لا يُمكِنُ لِإحداهُما أَنْ تَتِمَ بِدونِ الأُخرَى كانا يَهدِمانِ أبنِيةَ الحواجِزِ بَينَهُما ، ما أَروعَ أَنْ تَشعُرَ بالانتِماء وَتَجِدُ نَفسَكَ فِي غَيرِكَ ،وَما أَقسى شُعور الوحدةِ والضَياعْ!!!
****
(17)
ماذا يفعلُ الإنسان حِيالَ الذَاكِرَةِ المثْلُومَةِ وهُو فِي كُلِ ثانِيةٍ يُصابُ بِثِلمٍ فِي أَحَدِ أَطرافِهِ ويَقطُرُ أَلماً وحسرةْ عَلى تِلكَ الأجزاءِ المُتَساقِطَةِ مِنهُ ،كالمَجذومِ الذي لا يَجِدُ لِمَرَضهِ اتقاء .... مَرضهِ الذي غَزى ذاكِرَتَهُ قَبلَ جَسَدِهِ = بَسامْ
مَن يُرتِبُ المَعمَعةَ التي فِي رأَسي ؟ مَن يَصبِغُ جُدرانها؟ ويُعِيدَ كُل شيءٍ لِرَفِهِ المعهودِ فِي مَكتَبةِ الذاكِرة المَوبوءة ، سأَدفَعُ لهُ كُل ما أَملك ،قَصرِي ....سَياراتي ....شَرِكَاتي ....مَنصِبي كَوَزير حالياً ...... حَتى خِبراتي إِن كانَتْ تُباعْ ....حَتى لَو طلب جِنسيتي وانتِمائي ، فَقط يَفِكُوني مِن هذهِ الكَوابِيس التي تَقُضُ ليلي ، العَيشُ فِي المنافِي وبِلا عِنوانْ أَفضَلُ مِن هذا العِنوانِ الذي يَعلو جَبهتي وهو خاوٍ عَلى عُرُوشِهِ ،أفضَلُ مِنْ هذا الحِملْ الذي لَمْ أَعرِف مَسؤوليتهُ إِلا مُتأَخِراً ....يــــــــاه أَيَتُها الحَياةْ ما أَقصَرَكِ وأَضيَقَكِ الآن الآنَ بَعدْ أَنْ تَشَبَثتُ بِكِ حَتى الرَمَقِ الأخير تَلفظينَني كَعِلكَةٍ انتَهَت صَلاحِيَتُها ،أَينَ؟ أَين السَعادَةُ التي كُنتُ أُفَتِشُ عَنها فِي كُلِ تَقاطِيعِ وَجِهكِ الذي يَسُر الناظِرين ؟؟؟؟ دُلينِي عَليها دُليني دُلينِي ....
صَهٍ مَهٍ أيَتُها الأصوَات ، صَهٍ فَقَلبي الصَغيرُ بِعَملِه الكَبير بكِبريائه يَنزِف مِن كُلِ مَكان مِن كُلها ولَمْ تفلِح مُحاولاتي التِي ذَهبتْ أَدراجَ رِياحِ الطَمعِ والجَشَعِ والتسلط
مِن يُسَرِحُ شعرَ هذا الشُعورِ قَبل أَنْ يَجِدَ الجُنونُ لهُ منفذاً ،من يُغلِقُ نوافِذ الأحلام لِينامَ ويصحو دُونِ حلمٍ لا يَملِكُ إرسالهُ أو كُتمانَهُ مَتى ستندَرِسُ معالمُ هذهِ الكوابِيس متى سَتندَرسُ يا أبا إبراهيم ، أنتَ لَم تمت ولو لم أَدفِنكَ بِيديَ لَقُلتُ أنكَ حَيٌ تُرزَق ، أَتزورني حَتى فِي نومي ، أمازِلتَ ذلكَ الرجُلُ الذي شَربَ مِن الإحسانِ شرباً ، كُنتَ تَصغُرني بِسنةْ إلا أنكَ تَبعُدُ عَني بُعدَ المَشرِقينِ والمَغرِبين بِكُل شيء بإحساسِكَ المُرهف ، بأُذُنِكَ التي تُعيرها كُل أحد ، بِيديكَ التي لَمْ أَشهدها تَنطِقُ بلاءٍ لِسائِلٍ ، بِعينَيكَ المُعلقتينِ فِي سماءِ الله دوماً ، بِنفسِكَ العزيزةِ التي تترَفَعُ عن الدَنسِ والقذارَةِ بِطريقتِها المُثلى التي لمْ ولنْ تَتقاطَع معَ غَيرِها ،حَتى بِلِحيَتِكَ البيضاءِ المسدولةِ التي خَطَ الشَيبُ فِيها طرُقاً فَريدةً ، فِي الوَقتِ الذي لَمْ تُفَكِر شَعرةٌ بَيضاءُ أنْ تغزُو أَرضي ، أَأحسُدُكَ حَتى عَلى مَشيبِكَ الذي كانَ أرحَمَ بِكَ مِني الذي فَتَحَ عَينَيكَ عَلى الحياةِ قَبلي بِعُقودْ و....وَيَدُ الردى التي طَوتكَ لأنها مِثلُنا تتخَيرُ الأفضلْ ، أنت لستَ حياً بيدِكَ التي تنبِشُ خلافاتِ الماضِي فقط ولَستَ حياً في طُموحِ و تقاطيعِ وَجهِ إبراهِيمَ الذي يَشبَهكَ ، ولا فِي سَكينَةِ ريّا وحَساسِيتُها وحسب ، أَنتَ شيءٌ آخر أنتَ ذلِكَ الذي ماتَ فِي كُل شيءٍ إِلا فِي قَلبِي وذاكِرتي ......وَلمْ أَحفظ يوماً بَيتَ شِعرٍ سوى تِلكَ التي تَنسِجوها بِمحاولاتِك وَتَصُبها عَلى أُذني عَلِي أَعي ما تَرمي إليه
يا نفسُ قد حن الفؤاد لِتوبةٍ شدي وثاق الروح بــــالتطهير
وتبرأي من كلِ ما من شأنهِ ثني العزائم عن سحنة الــتغير
مدي بِساطاً كالطود بِعُرضهِ عَل الفؤاد يُنيخُ في .....فِي ...خيطه بالتحريز بالتقطير
ترنررررررن ترررررررن تررررررررن
ويُضرِبُ أسماعَهُ صوتُ الهاتِفْ ويَذرُهُ مُعلقاً فِي شطرِ بيتٍ باحِثاً عَن مَسكَنٍ لِيُنيخَ فِيهِ قلبُه ليَبرُكَ بَركَ النوقْ ، يُمسِكُهُ ضجِراً وبصلفٍ :
مـــــاذا هُناكَ ؟؟؟
سَيدي أَمرٌ طارئٌ يَجِبُ أن تَطَلِعَ عَليه
أي أمرٍ طارِئٍ هذا ؟ ،مِنَ الأساسِ أَنا فِي إجازَةٍ حالِياً جِئتُ لأُكمِلَ بَعضَ الأمُور !!
أعرِف وَلو لَمْ تَكُن مَوجُوداً لَذهبتُ إليكَ لِمنزِلِكَ
هــــاااااااااه !!!!!! ، تـــفَضللل ادخُل
ويفتَحُ البابُ ويغلق ويَبدأُ فَصلٌ لَمْ يَحسَب لَهُ بَسامُ أدنَى حِساب
سَيدِي أَلقِ نَظرَةً عَلى هَذِهِ رَجاءً
يُمسِكُها بَسام بِلا اكتراث ما هَذا " عَلى أَملْ" ، وَتَقعُ عَينَيه عَلى بَيتِ القَصيد ووجِيبُ قلبِهِ يَكادُ يُوقِفُ آخِرَ نَبضٍ فِي قلبَهُ
كَيفْ ؟ مَتى ؟ وأين؟ / أسئلَةٌ عقيمَةٌ يُطلِقُها بَسام لا يُمِكِنُها أَنء تَلِدَ جَواباً !!!
سَيدي ابدأ مِنَ الغُلاف
..... الغُلاف ، "عَلى أَمل " مَجَلَةٌ ثَقافِيةٌ شَهرِيةٌ اجتماعية تُعنى بِمَشاكِلِ المُجتَمع
سَيدِي وأَلقِ نَظرَةً عَلى العَناوِينِ
..... العَناوِين
" غِيابُ الحُرية يُفقِدُنا المُساواة وَغِيابُ المُساواة يُفقِدُنا العَدالة وَضياعُ العدالة يَجعَلُ الظُلمَ شخصاً وَحِداً مُجَسداً"*
_ماذا يَحدُثُ عِندما ننحازُ للظُلمِ ونبوُ عَنِ العَدلِ ؟ بِقَلم : إِيناس عَبدِ الرزاق
_حِمايَةُ المُستَهلِكِ بينَ الحَقيقَةِ الملموُسَةِ والمَحسُوسَة .بقَلم : إِبراهيم سُليمان
_ الدُكتور عَبدُ الكَريم أسعَد _ دكتورٌ مُختَصٌ فِي الموارِدِ البَشَرِيَةِ والتنمية الاجتماعية " فِي ضِيافَةِ عَلى أَملٍ . أَجراها : فاضِل عَبدِ الكَريم
_ قراءةٌ فِي كِتابِ " مـــــاذا خَسِرَ العالمُ مِن انحطاطِ المُسلِمين ؟" بِقلم : إيناس عَبدِ الرزاق
_ "عَرصاتُ الحُرية " قَصيدَةٌ بِقَلمِ الشاعِرِ أسعد حاتِم
كُلُ عِنوانٍ يُولِي هارِباً مُطلِقاً ساقَيهِ للرِيحِ مِنْ عَيني بَسامْ يَعودُ ليُقهقهُ بصوتٍ صاخِبٍ فِي أُذنَيهِ
أطلقَها جافَةً بِصَلَفِ مُحتَقِن : وَافِني بِإبراهِيم حــــــــــالاً لاً لاً لاً
تَجوسِ فِي بسام أَفكارٌ احتلت وَطَنَ تَفكِيرهِ وراحَت فِي كُل ثانِيةٍ تُشَيِدُ مُستَوطَنة مَعطوبَةً تُوحي بعضُها إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القولِ غُرورا !!
****
(18)
لا تَقطَعْ صِلَتَكَ بالأَشياءِ مَرَةً واحِدة ولا تَشرَبِ ماء الحَياةِ الكَرِيمَةِ عَلى دُفعَةٍ واحِدة ولا تَشتَمَ رائحَةَ الحُرِيةِ مِنْ بُقعَةٍ واحِدة حاوِل أن تَفهَمَ هذا الفَضاءِ الواسِع وحَلل شَخصِيتهُ لِتُحسنَ التَعامُلَ معهُ، لِكَي لا تَفقِدَ حِسَكَ بالأشياءِ ولا تَختَنِقَ بالماءِ وَلا يَطأَكَ عُطبُ الأنفِ مُبَكِراً = مِنء وَصايا سليمانْ لإبراهيم
تَفَضل ،جاءهُ صَوتُ عَمِهِ كَثُغاءِ الناقَةِ التي تَلدِ وزَقزَقَةِ الطَيرِ فِي كَفِ قاتِلِهِ والمُقاتِلِ المَهزومِ فِي مَعرَكَةٍ حامِيَةِ الوَطِيسِ ، يتسَربلُ إليهِ مُتَخَماً بالوَهنِ والقُوَةِ معاً !
أطَلبتَنِي
نَعمَ اتخذ لك مقعِداً
أَمسَكَ بَسام بالمَجَلةِ بِيَدَيهِ مَعاً وسَلمها لإبرَاهيم وتَنَهَد ..... أَيُمكِنُكَ أَنْ تُخبِرَني ما هذهِ !!!!!!!
صَمتَ إبراهيمْ كَأنَهُ نَسيَ فِي لَحظَةٍ كَيفَ يتَحَدَثُ وأَمعَن فِي الصَمتِ طَويلاً
تَحَدث إِبراهيم ما هَذهِ باللهِ إِني أَسأَلُكَ فَأَجِب
ما هذِه ، متى صَدَرت وأَينَ وكَيفَ ؟؟؟؟
انطِق يا وَلَد هَل لكَ يَدٌ فِيها ....إبراهِيم .....إِبراهيم تَحَدَث ...إِني أَسألك
ولم يَنبَس إِبراهيم وَلم يُفَرِجُ عَن شَفَتَيهِ وَحِدَةُ صَوتِ عَمهِ تَزدادُ وَيَتَعَذَرُ إزاءها التَجاهُلُ ...
وَهو لا يَملِكُ أَن يَمحَقَ صَمتَهُ وَصوت أبيهِ وعِصام يُقرِعانِهِ بِشِدة ، جاءَ مَخاضُ الحَقيقَةِ عسِيراً جِداً جِداً ، أَسعَفَتهُ نَباهَتُهُ لِفِكرَةِ التَهَرُبِ فأَفضَلُ وَسيلَةٍ لنَسي الحقيقةِ هِي التَهرُبُ الحَذِق ......
نعم لي يَدٌ فِيها لَقد تَمَ تَوجِيهُ دَعوَةٍ لِي للمُشارَكَةِ بِمَقالٍ ما وَقَد فَعلتُ ما يُمليهِ عَلَي الواجِب
الواجِب لَم يَبقَ سِوى هذا الوَاجِبِ لِتُأَدِيَهُ !!
رَأيتُها مَساحَةً أَوسَعَ للبوحِ وَصَفحَةً تَمنيتُ لو تُتاحُ لي مِن قَبلُ
هَكذا إِذاً ماذا عَن أُسرَةِ التحرير هل لَكَ صِلَةٌ بِها ....هَل تَعرِفُها وَكَيفَ لَمْ تُطلِعني عَليها مِن قَبل
نَسي إِبراهيمْ أو بالأحرى تَناسى الشَطرَ الأوَلَ مِنَ السُؤال وأَجابَ عَلى النِصفِ الثانِي
لَم أَكُن أَظُنُ أَنها تَصُبُ فِي قالِبِ اهتِماماتِكَ لِأُطِلعَكَ عَليها
حَدَجَهُ الأَخِيرُ بِمَكر
أَحقاً ..... آآه لَمْ تَكُن تَظُن
تَجاهَل إِبراهِيم نَظَرةَ عَمِهِ وكَأنَها لا تَعنِي لَهُ مِنَ الَأمرِ شَيئاً وقَلبَ المَجَلةَ بَينَ يَدَيهِ
تَناوَلَها بَسامُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَتَحَدَثَ: لَمْ تُجِبني عَن أُسرَةِ التَحرير والقائِمين عَليها ، لَمْ يُجِبهُ إبراهيم فَقَررَ أَنْ يَبحَثَ عَنها ، ووقَعَ عَلى اسمٍ يَضعُ نُقطَةَ النِهايَةِ عَلى كُلِ غُموضٍ لَف سَماءَ هذه المَجلة ، قَدح الاسمُ زِنادَ الذاكِرَةِ بِشدة وأشعَلَ فَتيلَ المَنسي والمَطوي "إِيناس " ....".إِيناس " و و و ولــــــــــكن كَيْفَ
عادت إِليهِ إِيناس بِهدوئها المُستَحب وحِشمَتِها المعهُودةِ ، بصوتِها القويِ الهاديِ فِي الوقتِ ذاتِهِ ، بِشخصِها التِي تَجبُلُكَ عَلى احتِرامِها شئتَ أم أبيت ، بِعينَيها اللاعِنَتانِ والمُتَوَعِدتانِ لِكُل مَن وَما تَراهُ خُطُطاً حَمراءَ يُحَرَمُ تَجاوُزُها فِي قَوامِيسِها .....
عَادَ اسمُها رَناناً كَونَها رئيسَةُ تَحريرِ هَذِهِ المَجلةِ .....عادَت وقَد زادَت لِقُوَتِها ضِعفَينِ اثنين فِي الوَقتِ الذي استَشرى الهونُ فِيهِ هوَ
لَملَمَ إِبراهِيمْ نَفسَه وَقَرر الانصِرافَ بلباقَةِ قَبل أنْ تَتَعَقدَ الأُمور : هَل هُناك شَيءٌ آخَر تَطلُبُهُ مِنِي
أَطَلَ عليهِ بَسامْ بِنَظرَةٍ فاحِصةْ ثُمَ قال : لا لا شَيء إِنَ عَمَلِي لَيس مَعَك بل مَع هَذِهِ
ارتَعَدَت فَرائِصُ إِبراهِيم وَهو يَرى عَمَهُ يُشيرُ لاسمِ إِيناس وَعَينَيهِ تَرمي بِشرر
وَلَجَ خارِجاً وَهُو يَندِفُ عَن رأسِهِ تِلكَ النَظرة التي فَجَرَت شرايينَ الرُعبِ مَرَةً واحِدَةً وأَلفى عِصامْ لَدى الباب وَهُو مُمسِكٌ بِفيهِ
هَل عَلِمت
سَمِعتُ بالأمرِ وَجِئتُ لأتأكَدَ بِنَفسي ، أَعتَقِدُ أَنها كارِثَة
ما الذي يُريدُهُ عَمي إِنَ المَجلةَ لَمْ تأتِ عَلى ذِكرِهِ أو حَتى ذِكرِ مُؤسستِهِ
هناكَ أبعَادٌ أُخرى لَمْ نَفطِنْ لها مِن قبلْ عَمُكَ يَكرهُ أَنْ يُنافِسَهُ أَحدٌ ويمقُتُ أَن يُخدش كِبريائه ثُمَ مَن قالَ لكَ أَنَ المَجلةَ لَمْ تأتِ بِما يَمُسهُ وَهي تتحَدَثُ عَن الحُرية والمِصداقيةِ وأُمورِ كهذهِ قَد تُشَكِلُ مُفارقَةً خَطِيرَةَ لَدى الناسِ عَنِ المَجلَتَين ولا يأخُذكَ عَقلُكَ فَتنسى أنْ إِيناس كانت تَعملُ هنا وسَيُراقُ حِبرٌ كَثيرٌ منهُ ما يُصيبُ وَمِنهُ ما يُخطئُ فَستَطيشُ إِلى كُلِ ما ذَكَرت أيدِ الكُتابِ والصَحَفيين والنُقادِ وَحتى الذين يَصطادُونَ فِي الماءِ العَكِرِ،كانَ يَجِبُ عَلينا أَن نَتَنبهَ للأمُورٍ كَهذهِ قَبلَ أَن نَقفِزَ قَفزَتنا تِلك .
تَقصِدْ كانَ عَلي
صَمتَ عِصام لِوَهلة وَتَمتم : لَيس مُهِماً الآنُ البُكاءُ عَلى اللبَنِ المسكوبِ بالقدر الذي أَرى مَحوَ آثارِهِ الرائبَةِ على الأرضِ مُهِماً .
بسام كانَ يَسمَعُ كُل شيءٍ تَحدَثَا بِهِ ، كانَ يَشعُر منَ البِدايَةَ أَن لإبراهيم يَدٌ طَويلَةٌ فِي الأمر وزادَ حَديثُهما الطينَ بله
ووَخزُ الضَمير وَثُقلٌ جثا عَلى صَدرِ إِبراهِيم وَصُورة ريّا وإِيناس تتناوَبانِ عَليهِ .
****
(19)
أي عُمقٍ ضاميٍ ذلكَ الذي يستَكِينُ فينا وَفي الأشياءِ حولنا وأَي مُوارَبَةٍ تِلكَ التي نَعِيشُها ونُعَيشَ غَيرُنا فِيها = العامِلونَ فِي مُؤسَسَةِ الحُرية
تَفضل تَفضل اقرأ هذِهِ المَقالة
ولا تَفُتكَ هذِه
حَقيقَةُ الأمرِ كُلُ ما كُتِب أُعطيهِ علامة 10عُلى 10
لا تُبالِغ كَثيراً لا يوجَدُ مَقالٌ يأخُذُ 10 عَلى 10 لِكاتِب يَظهَرُ فِي الساحَةِ أَولَ مَرة
إِنهُ لا يُبالغ الحقُ حقٌ وعًلينا الاعتراف ، لَيتَ اسمي يتَشَرَفُ فِي هذه الصفحاتِ
نَعم يا سُعاد ، اليومَ خُرقت أسمالُ الخديعةِ وتَسربلت رائحَةُ الحقيقة للأنوف الكُلِ وشاء من َ شاء وأبى مَن أبى
مَن تَقصِدُ بِكلامِكَ هذا
أنا لم أُعَين اسماً مُعيناً
إِن كُنتُما تَظُنان أن فِي الخِيانَةِ تَشريف فهذا شَأنُكُما لَكُمْ دِينُكُم ولِيَ دين
الخــــــــــــــــــــــيااااااااانة !!!!!!!!
نَعم لا تُبحلِقا فِي هكذا ، إِبراهيم خانَ المُؤسسة التي عاشَ فِي كَنفِها سِنيناً بِفِعلِه
لِمَ أنتِ بهذا التَفكِير المحدودِ الضيق ، ألانهُ شارَكَ بِقَلَمِهِ فِي نَقلِ الواقِع لِعيونِ العامة
أَشاحت بِيدَيها بِطَريقَةٍ بَشِعة ، لستُ كَذلِكَ بَتاتاً ، كَيفَ تنسى أَن إِيناس زَوجةُ إِبراهِيم فلا يُستَغرَبُ أنْ يَنقِلَ إليها خِبراتِ هذهِ المُؤسسة بدأَ بلونِ وحَجمِ الخطِ فِي الأوراق انتهاءاً بالمواضِيعِ التي تُطرَحُ فِها .
أَتَزَوجَ إِبراهِيم مِن إيناس
صباحُ الخَير ، سأذهبُ بهذهِ الأوراق للرئيس حالما تَستَفيقا مِن صَدمَتِكُما هُوَ بِنَفسِهِ يَجهلُ تَفاصِيل عَن مَجلَتِها كَونِها لا تَصدُرُ فِي دارِ نَشرٍ عَربية وتَفاصيلَ أُخرى عَليَ أَن أُطلِعَهُ عَليها كَي لا أُشارِكَ فِي الخِيانَةِ العظمى ، عَن إذنِكُما ........
"لا حَاجَةَ لِذلِكَ فَقد سَمِعتُ كُل شيءٍ "
جاءهُمْ صوتُهُ الجُهورِي مُرغِماً إِياهُم للفِ أَجسادِهم وَعُيونِهم صوبَهُ ، كانَ هُو بِشحمِهِ ولَحمِهِ بِهيبَتِهِ وحِدةِ نظراتِهِ التي تُسقِطُ رَجُلاً مِنْ وُقوفِه .
بَسام كانَ يَموتُ ويحيا فِي كُلِ ثانِيةٍ تَمرُ كانَ يُخفيِ بِشِدَةٍ ضَرباتِ قلبِه التي تَكادُ تُرديهِ صريعاً ، كانَ يُحاوِلُ أن يبدو ثابِتاً مُتماسِكاً أَمامَ مُوضَفيهِ ، ويَمم وَجههُ شَطرَ الباب وخَجلٌ شَديدٌ يَعتَريهِ وَيذبَحهُ عَلى غَيرِ قِبلَةٍ ، وَجملةٌ واحِدَةٌ تَكادُ تَفجُرُ رأسهُ صُداعاً " كَيفَ تَنسى أن إيناس زَوجَةُ إِبراهيمْ"
مَشى بِتثَاقُلٍ بالكَادِ حَمَلَتهُ رِجليهِ للأولِ كُرسيٍ فِي مَكتَبِهِ
أمسَكَ هاتِفَهُ وَسجلَ رِسالةً صوتِية ....دَليلُ الهاتِف ....إبراهِيم اللحوح ...ضحكَ قليلاً لِهذا الاسم وَلم يُمهِل نَفسَهُ لِيضعُفَ وَتأخُذَهُ العاطِفة .... أَغمَضَ عَينَيهِ وضغطَ زِرَ الإرسالِ مُغمض العَينين .
****
(20)
إِنَ أَجملَ رِوايَةٍ يُمكِنُ أن يقرأها الإنسان هِي تِلك التي تُغَيرُهُ وَتَعصِفُ بِكَيانِهِ لِتذَرَهُ قاعاً صفصفاً لا يلوي عَلى شيء مِن رَوعتِها ،وإنَ أفضلَ كاتِبٍ يُمكِنُ أنْ يَنالَ الإنسانُ شَرفَ القراءة لهُ هُو نَفسهُ التي لا تُحسِنُ سِوى نَقَشَ ذاتِهِ وزَخرَفَتِها وفِي أحيانٍِ فَضحِها عَلى ملاِْ الجَسَدِ ونَشرِ الغَسيلِ على مَرأى مِنْ جوارِحِه = عِصام
خَمسَةُ أَيامٍ بِلَيالِيها وأنتَ لا شُغلَ لكَ سوى إِعادَةِ رِسالَةِ عَمك عَلى مَسمَعِك ألَمْ تملَ وتَسأمْ ، طالَ ليلُ تَفكِيرِكَ يا رَجُلْ أما آنَ لهُ أن يَنجَلي وَيرسي عَلى بَرٍ ما
لَيتَني أقدِر يا عِصام كُلُ شيءٍ خارِجَ دائِرَةِ إمكَانِيَتي
إِنني لَن أقولَ لكَ أَن الوَقتَ تأخَرَ عَلى التَراجُعِ ،إِنْ كانَ عَمُكَ عاوَدَ تَهديدَكَ عَليكَ بِكُلِ سُهُولة أَنْ تتراجَع
وَلكِن .... أَبعدَ أَن أشرَقت شَمسُ أحلامِنا وَغَدتْ تِلكَ الزاوِية المضيئةُ جزأً مِن حَيواتِنا نَأتي وَبِكُل سُهولَةٍ لِنُطفِئها بِمحضِ إرادَتِنا
"إن الله يُؤَجِلُ أمَانِينا ولا يَنساها "* يا صَديقي أنا لا أُريدُ مِنكَ أًن تَندَم لا أُريدُكَ أَرضاً خَصبَةً للحُزن فالله اللهَ إِتَقِ الله فِي نَفسِكَ ، "دَعِ الأيامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَطِب نَفساً إذا حُكِمَ القضاءُ "* ، لِمَ لا تَترُكُ الزمن لِيُعالِجَ مَرَضَهُ إِنَهُ أَفضلُ طَبيبِ يُمكِنُ أن يَستَلِمَ ملَفَ عَمِك ، أَرجوكَ يا إِبراهيم ارحَم شَبابَكَ ،إِنكَ تَعلَمُ كُلَ العِلمِ أَنَ المسألةَ لَيستَ مَسألَةَ مالٍ وَحسبْ وإلا لَكانَ مَقدُوراً عَليها مُنذُ زَمن ،إنها ذاتُ بُعدٍ كَبير ، أعرفُ ما يَدورُ فِي خُلدِكَ لا لَيسَ ضَعفاً بَلْ تَعقُلاً ،لِكَي نَحمِلَ تَأشيرَةَ إِقامَةٍ كَريمَةٍ عَلى هذه الحَياة ، لا بُدَ لنا مِنَ التَضحِيةِ بِكَبشِ سَمينِ من أَحَبِ ما لِقلبِنا ، يَومانِ يَفصِلَانِ عَن عَمَلِيَة زَرعِ النُخاعِ لأختِكَ وما زلت لَديكَ 48ساعةً تُعلِنُ فِيها انصِياعَكَ ، لا تُعقِدِ الأمورَ أَكثَرُ مما هِيَ عَليهِ ...
عِصامْ سأُنَفِذُ كُلَ ما قُلتَ بِحَذافِيره ، كُلُ خَوفِي أَن يَكونَ عَمي قَد أَعلمَ ريّا بالأمرِ ، يَكفِي أَنَ حالَتها مُستَعصِيةٌ لا أُريدُ لأزمَةِ عُقدَةِ النفسِ أنْ تَزُورَها بَعدَ أَن عانَيتُ لِترحل عَنها الأمرَين ، يَجِبُ أَن أراها غَداً قَبل أن يَتِمَ تَخديرُها ....إدعُ لها يا صَديق !
وّهُوَ كَذلِكْ
حَسناً أَغلِق المِصباح الوَقتُ متأخِرٌ جِداً وَغداً يومٌ مزدَحِم
أَستنامُ اليَومَ هُنا أيضاً
لِمَ هَل أنا ضَيفٌ ثَقيل هَل تَطرُدُني ؟
بَتاتاً ، ما تفعَلُهُ الخَطَاُ بِعينِهِ
إِنني لا أطلُبُ أَكثَرَ مِن وقت لِأستَوعِبَ هذا الكَمَ مِنَ الأحداثِ التي نَكَثَت وُعودي مَعَ كُثرٍ
أُكَرر لَكَ القولَ ذاتُهُ ، أَنت لَستَ مسؤولاً عَما يَحدث
تُصبِحُ عَلى طاعَة
وَأنتَ مِن أَهلِها
****
(21)
مَن يُشَذِبُ طُفولَتي التي تُمعِنُ فِي الاكفِهرار؟ مَن يأتِي بِمِقَصٍ وَيُشَذِبُ أطرافَها ، يَقُصُ الزائِدَ مِنها ويَنتَزِعُ كُلَ خَيطِ ناتِئٍ فِيها ؟ من يُصَيِرُني إِناءً لا يَأبَهُ بِما وُضِعَ فِيهِ _ساخِنٌ أَم بارِد_ بالقَدرِ الذي يُهِمُهُ كَونُهُ صالِحاً للاستِعمالِ؟ من يُوَضِبُ هذه الفَوضى فِي دَهالِيزِ الذاكِرة ؟ مَنْ ؟؟؟؟ = ريّا
يُمسِكُ بالكِيسِ الأبيض ، يَتَمَصَرُ بِمصَرِ المُناسباتِ المَركونِ فِي أقصى الدُولاب يُخرِجُ نِعالَهُ الجَديدة ويَحشُرُ فِيها قَدَمهُ ، يُمسِكُ عُلبَةً بِنَكهَةٍ فَرَنسية ،ثوانٍ وَهُوَ يَجُرُ خَلفَهُ خَيطاً مِنَ العِطرِ ، ويُمسِكُ بالزُهورِ الأحَبِ عَلى قَلبِ أُختِهِ يُرَتِبُها عَلى طَريقَتِهِ ، يُخرِجُ مِنْ البِطاقَةِ الصفراء ما حُشِر فِيها مِن حَشو الكلام ويَحشُرُ رِسالَتَهُ التي خُطَت بِيدِه ،كانَ يَعرِفُ إِلى أَي مَدىً يُمكِنُ أَنْ تَفرَحَ أُختُهُ بِرسالةَ كانَ يَعلَمُ طُقوسها التي تُمارِسُها عَلى الرَسائل ،لَكم كانت تُقدِسُها ولا زالت ، يَرمُقُ ساعَتَهُ الفِضية عَقربا الساعَةِ يلتَصِقان بِخُشوعٍ عِندَ الثانِيَةِ عَشراً ، يَتذَكَرُ غَربَلةَ الطَبيب التي لَمْ يَكُن يَطلُبُ فِيها سِوى وَقتٍ لِرؤيَةِ أُختِهِ قَبل الواحِدة _ مَوعِدُ التَخدير_ ،يُهاتِفُ إِيناس يَسأَلُها عَن رَقمِ الغُرفَةِ التي نُقِلت إِليها أُختُهُ ، يَشكُرها وَيُغلِقُ الهاتِف وَيَقود ،الواحِدةُ إلى خمسُ وَخمسُون دَقيقةَ وَهو أَمامَ قِسمِ العِظامِ فِي المُستَشفى لَطالما أَحبَ أَن يَقرأَ الساعَةَ عَلى طَريقةِ ريّا يَبتَسِمُ وَهوُ يَتذَكَرُ فَلسَفتها عن كَونِ هذه الطريقَةِ تعطيكَ إِحساساً بالوقتِ أكثَرَ مِن غَيرِها ... يَعودُ للواقِع دقائِقُ وقد يَرى أُختَهَ وَقد لا يَراها أَبداً !!!
يُحاوِلُ أَن يَرسِمَ أَجملَ ابتِسامةٍ يَقدِرُ عَليها وَيَقمَعُ كُل ما يُكدِرُها ، يَفتَح البابَ عَلى مِصراعيهِ وَينسى أَن يَدُقهُ
وَتَكفَهِرُ الابتِسامة
وَتنضبُ الحَيوية
وتَختَفي رائِحةُ العطرِ أَمامَ نتانَةِ ما أَحسَ بِهِ
وتَرحَلُ نَكهَةُ الأشياءِ الجديدةِ كُلُها
وَيسودُ الظلامُ لِثوانٍ ويَنفَجِرُ بَعدها
مـــــــــــاذا حَدث ؟؟
إِيناس لِمَ تَبكين ...... مــــــــاذا حدث ؟؟؟، يَهُزُها بِعنف .... تَحدثي
كادَ ينفَجِرُ فِيها بُكاءً لولا أَن تَداركَ نفسهُ
يأتيهِ صوتُ ممرِضَةٍ بلكنَةِ فِلبينية
we will find her madam we are looking for her in every possible place
لا يُمهِلُها إِبراهيم لِتُكملِ : كَيف أخبِريني ماذا تَقصِدين ...ويزدادُ صُراخهُ رُعونةً
مــــا هذه الفوضــــــــــــــــــــــــــى ...كَيفَ تَفقدونَ فتاة حَتى لا تَستَطيعُ المشي عَلى قَدَميها كَـــــــــــــــيف ؟؟؟
تراجعت للوراء لم تفهَم شيئاً مما قال لكِن كلُ شيء يُخبِرُها أَنهُ غاضِبٌ بِشِدة
جاءَ الطَبيبانِ المسؤلانِ عنها الذَينِ تَمَ استِدعاؤهُما وَطاقَمُهُما مِنَ الخارِجْ يشرَحانِ لَهُ كَيفَ فُقدَتْ وَهِي فِي دَورَةِ المياه
In fact we did not want to let her go to the bathroom because we know that she don’t need to go . but we understand her position and she want to spend time alone so we gave her permission
أكملت إيناس ودموعها تسبقها أَميلاً أَميلا
لقد بدأت بالصراخ بِطَريقَةٍ هَستيريةٍ ، كانت عَينيها تَصرخانِ مِن الألم قَبل كُلِ شيءٍ ، لَمْ تَقبل بِمُصاحَبَةِ أَحَدٍ لَها سِواي ، صَحِبتُها ، كانَ نَشيجُها يَصلِني رُغمَ مُحاولاتِها الحثيثةِ لِخنقِ صوتِها ، جاءني اتصالُكَ فَدَلَفتُ خارِجَ الجَناحِ لأجيبَكَ لَمْ أَستَغرق أكثَرَ مِن أَربَعِ دقائق وَعدتُ أَدراجِي فإذا بها غادَرت والبابُ مفتوحٌ و الغَريبُ فِي الأمر أَن كُرسِيها المُتَحَرِك خاوٍ عَلى عُرُوشِهِ ......لَقدْ كانَ خَطأي ....ما كانَ يَجِبُ أَن أترُكها
وَخطَأي كَانَ يَجُبُ أَن أَحفَظَ شَكلَ هذا المَكانِ الذي تَقطُنُهُ هِي منذُ أَكثَرَ مِن شهر ما كَانَ يَجِبُ أَن اَسألَ عَن غُرفَتِها قَبلَ ساعَتَينِ مِن دُخُولِها غُرفَةِ العَملياتِ
Do not cry after spilled milk because it will not return" "
أطلقها ذلك الظلُ الواقِفُ جَنبَهُما لِيتَنبها أَن كُل ما قالَهُ صحيح وأَن المُهِمَ الآن هُوَ العُثورُ عَليها
وجاء بَقِيَةُ الطاقمِ يُهرَعُونَ إليهم وكُلٌ يُغَربِلُ بِحَديثٍ مُقتَضَبٍ سَريعْ
No one IS in the room -ray
No one IS in the operation room
No one IS in the emergency room
We closed the section
تحدثَ كبيرُهم
we must be more organized she is certainly close where we lost her
Listen to me well she is smart we must deal with her intelligently
تفَرَقَ الكُل باحِثين حَتى إِيناس وظَلَ إِبراهيم يَبحثُ عَن خَيطِ عِطره ويَلملِمُ نَفسَهُ المُبَعثِرة ، صَوتٌ فِي داخِلهِ يغتابُ ويأكُلُ لَحمَ أًخيهِ حياً ، صوتٌ عَرى الخيرَ وَالتَفاؤُلَ بلِسانِهِ ،وَلم يَخف فِيهِ لومةَ لائِم ، صوتٌ بِهاجِس الشر التحم ونَتَجَ جِسمٌ ثالِثٌ يُسمى الهَلع !!!!!
مَشى الهُوينا وَهُو يَسحَبُ قَدميهِ سحباً استَنَدَ عَلى أولِ بابِ صادَفَهُ "STOR" ويَتَقَرفَصُ فِي الأرض مُتَكَوِراً عَلى نَفسِهِ وَيأتيهِ صَوتُ نَشيجِ أُختِهِ مُتَكَوِراً عَليهِ كالهالَةِ التي تُحيطُ بِهِ وَينفَذُ لِقلبِهِ وعَقلِهِ مِن كُلِ مَنفَذ أَمكَنَهُ ، فَزَ واقِفاً وَفَتحَ البابَ بِكلتا يَديهِ ،تُطِلُ عَليهِ ،لوهَلةٍ لَم يَعرِفها لِكثرِ ما غَيرَ البُكاءُ مَعالِمَها ، دنا مِنها فَزادَ نَحيبُها عَرِفَتهُ قَبلَ أَن يَتَحَدَثَ ، طَوَقَتهُ بِذراعِها ، شَعرَ لَحظَتها بالوِحدَةِ التي عانت مِنها هذهِ الفتاة وَهِي فِي مُقتَبَلِ العُمُر ،حَملها بَينَ يَديهِ ،وَهُزالُها وما آلَ إِليهِ حالُها يُشَرِدهُ فِي أقسى مَنافِي الأرض
تَمَسَكِي جَيِداً
إِبراهِيم
تَحَدَثِي يا عَيناه
آسِفَة
عَلى ماذا !
عَلى الفَوضى التي سَبَبتُها ، كُنتُ أَسمَعُ صُراخَكَ يَذبَحُني لَكِنني لَم أستَطِع أَن أتحَدث لَم
قاطَعها بِلُطف ..... لَستِ مُضطرَةً للتَبرير ......وأنا ...إِنني مُتأسِفٌ أَيضاً
لَمْ تُجِبهِ ،كانَ يَعلَمُ أضنها ساخِطَة كانَ يَشعُرُ بأَن هُناكَ الكَثيرَ مِنَ الحَديثِ الذي تَلوكُهُ أُختُهُ بِمُفرَدِها
وَصلا لِغُرفَتِها وَأَمامَ البابِ تَجَمهَر كُثرٌ بِلباسٍ أَبيضَ ملائِكي ، الكُلُ يُعرِبُ عَن فَرَحهِ بِطَريقَتِهِ ولَكنَتهِ ،شَعَرَت أَن وُجُومَها ذَليلٌ وَساذِجٌ مُقابِلَ تَبَسُمِهم وَضَحِكاتِهم ، كانت تَشعُر أَنهُ يَجِبُ عَليها أَن تتبَسَمَ لَهُم وَلو مُجامَلَةً ..لَكِن شَيءٌ ما مَنَعَها
عَلى يَسارِ البابِ وَقَفَ الطَبيبِ "فيزَر " هَمسَ فِي أُذنِ إبراهيمْ هَمساً طالَ ريّا
Do not worry everything will be fine >> everything will be better >>all you need : faith <patience> hope> and prayer
ماذا تَعرِفُ أنت عَنِ الإيمان ؟ ماذا تَعرِفُ عَن الأمل ؟ وماذا تَعرِفُ عَن الصلاة ؟ عَجباً إن كُنتَ أنت تَعرِفُ عَن كُلِ هذا فماذا يَجدُرُ بي أن أعرِف ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وَعَلى الجانِبِ الأيمَنْ كانَت إِيناس تُمَسِدُ كَتِفي بِحَنان : أَكانَ لِزاماً عَليكِ أَن تَرمي بِقلوبِنا فِي حَضيضِ الخوف وَتُقلِقينا عَليكِ ...جاءتها كَلِماتُها لِتَروي ما بِها مِن فقد حَتى لَو كانَ فَقدَ عِتابٍ...
وَضعَها عَلى السرير الأبيضِ الذي يَحمِلُ نَفسَ النُسَخِ الاحتِياطيةِ رُغم تَغيُرِ المِلاءات إِلى أنَهُ يَظَلُ بِنَفسِ النَكهَةِ
قَلَبَت بَصَرَها ...بّدأَت بِوجهِ للتو تَنَبهت لِمِصَرِهِ البُني ووجههِ الذي بَدا شاحِباً ، رِسالَةٌ وَكِيسٌ أَبيض عَلى طَرَفِ السَرير ،مَدَت عُنُقها قَرأت ما خُطَ "لِـــــــــ ريّا الجَميلة" شَعَرت بِرَغبَةٍ فِي المَشي إَليها أَكثرَ مِن أي وَقت .... لَكم مَضى عَليها حِينٌ مِن الدهرِ نَسِيت فِيهِ عَهدَ الرسائل ،تَنبهت لِوجودِهِ وَتَبَسَمت أَخيراً مدت عُنُقَها مَرَةً أُخرى، حُزمَةٌ مِنَ الوَرِدِ المُفَضَلِ لَديها نُثِرَ عَلى الأرض بِطَرِيقَةٍ تُوحِي أَن مَن أَحضَرهُ أُصيبَ بِصَدمةٍ ما
هَمَ إِبراهيم بالتِقاطِهِ عِندما وَجَدها تُبَحلِقُ فِيه
دَعه إِنَهُ يَبدو أَجمل هكذا
كان يُدرِكُ أَنها لَيسَت كَذلِكَ وأّن أُختَهُ تَمتَهِنُ تأنيبَ النَفسِ والحُزنَ مِهنةً تُقَضي بِها أوقاتَ شُغلِها و فَراغِها معاً، لَم يَشأَ أَن يَكبُتَ رَغبَتها
.
.
.
.
. وَيَصمُتُ الاثنانِ طَويلاً ، يأتِهِما صَوتُ الساعَةِ الالكترونية لِيُخرِجَ كُلاً مِنهُما لأرضِ الواقِع
تتصَدَرُ ريّا وَتَركَبُ خَيلَ الحَديثِ أَخيراً
إِبراهيم .... لَستَ مُجبَراً
يَتَفَرَسُ فِيها إِبراهيم باستنكار ....لَستُ مُجبراٍ !!!!!!
نَعم لَست مُجبراً ...
عَلى ماذا وما هُو الشيءُ الذي سأجبَرُ عَليهِ
لَستَ مُجبراً عَلى تَحَمُلِ تَكاليفِ عِلاجِي مادِياً وَمَعنوياً وَحتى نَفسِياً
رَمقَها بِنظرَةٍ غاضبةٍ تَقشَعِرُ مِنها الأبدان..... ما هذا الكَلام مَنْ لَعَب بِرَأسِك
إِبراهيم لَست مَجبراً عَلى حَملِ حِملِ أُختٍ مَيئوسٌ مِنها
ريّــــــــــا ، رَص على الأحرُفِ حتى اصطكَت أسنانُهُ وَزَفر : لَوَ كانَ لِي مِنِ القدر عِندكِ مِثقالَ حَبَةِ خردل لا تَخوضي فِي هذا الحَديثِ وانسيهِ تماماً
لَكَ يا أَخي لَكَ هذا القلبُ وما حَوى لَكَ نَصيبُ الأبِ والأمِ والأخِ والأختِ والَصدِيقْ ... قَلبي الذي تَشَظى لِسبعين شظية مُنذُ سَنةٍ وَنيف ،قَلبي الذي كُلما وَجَدَ جُزأً فَقدَ آخر لا يُريدُ أَن يَضلَ دائِناً طولَ عُمرِهِ للأحدٍ وَلو كانَ أخاهُ ..... أَرجوك يا أَخي لَستَ مُجبراً عَلى التَضحِيةِ لِكُلِ ما تَصبو لَهُ مِنْ أَجلي ...
مــــــــاذا تَقصِدين ؟؟؟؟
أَنتَ تَفهَمُ قَصدي جَيداً .... فلا تَفعَل ذلك
كادَ إبراهيمُ أَن يَنشِبَ أظافِرَهُ فِي مِلاءَةِ السرير ،احتقَن وَجههُ بالغضَبِ دُفعَةً واحِدَةً ،أَزبَدَ وأرعَد كانَ يلعَنُ كلَ شيءٍ حولهُ وَكُلَ ما يَربِطُهُ بِعَمِهِ حَتى الدم ....قال بِخوفٍ مُفاجِئ : مَنْ أَعلَمَكِ هل كانَ عَمي ؟؟؟
وَتَصفَعُهُ رَدةُ فِعلِها حَتى يَهوى عَلى الكُرسي كالنجم ، قهقهت حتى خامَرَهُ شَكُ أنها مَجنونة وأطلت الممرضة وإيناس وستونَ عَلامَةِ استفهامٍ على وَجهيهما
أَكمَلت وَهي تَلهَثُ مِن فَرطِ البُكاء والضحكِ معاً .... إَذا هاتَفتَ عَمي فَأَخبِرهُ عَني أَعلِمهُ كَمْ غَدا عُمري ،أَخبِرهُ أَني غَداً قَدَ أكونُ تَحتَ التُراب وَأُصبِحُ نَسياً مَنسياً .....أَخبِرهُ كَمْ أحُنُ إِليهِ ،كَمْ أَفتَقِدُ حَديثَهُ المُقتَضب السَريعُ ، كَم أفتقدُ النظر لمنظارِهِ الذي يرى بِهِ الأمور ، كَم أفتَقِدُ قِلة صَبرهِ وَحتى غضبهِ ، ثمَ أَردَفتْ هل هذا ما يُهِمُكَ يا إِبراهيم!!! أَن يَكونَ عَمي هُوَ مَن أَعلَمني لِتَزيدَ حَصيلَةُ الضَياعِ الذي بَينَكُما ...... لا يا إِبراهيم لَمْ يُخبِرني بِشيءٍ وإِني لأستَهجِنُ رَدَةَ فِعلِك وَلو كانَ هُو مَنْ أَخبَرني أَنهُ عَليكَ اَنْ تَختار بَيني وَبينَ هَذِهِ المَجلة ...... أشارت لَهُ لِعَدَدينِ وَضَعتهُما تَحتَ الوِسادة ....وَلو كانَ هُو مَنْ أَخبرني أَتظُنُ أن ذلِكَ الحُزن سَيُغَيرُ مِنَ الأمرِ شيئا ، هَل أصبَحَ قَولهُ أو عَدَمُهُ مِحورِياً فإِن حَصل سَيُؤثِرُ عَلي وإِنْ لَم سَتَكونُ الأمورُ برداً وسلاماً ... إنكَ عِندما ترعى شيئاً صغيراً بشيءٍ كَبيرٍ تَختَفي حُدودُ الصغير فِي أضلُعِ الكبير فيكونُ كأن شيئاً لَم يَكُن ....لا لا يا إِبراهيم لَقد شَببت عَلى طوقِ المَصائِبِ مُنذُ زمن أصبَحَ الهمُ عَلى الهَمِ والحُزنُ عَلى الحُزنِ لا يَعني لِي مِن الأمرِ شيئاً
أنا ...أنا التي نَظر الأعمى إلى حُزني ........وأَسمَعت آهاتي مَن بِهِ صَممُ
لَم يُوقِف إِبراهيم أُختَهُ وَلم يُحاوِل فَهو كانَ ينتَظرُ مِنها هذا البوحَ مُنذُ سنةٍ ونيف وهي في الجانِب الأخر لم تُفَكِر فِي إعطائِهِ فُرصةً لِيوقِفها فَقد انتظَرتهُ لِيكونَ فِي كُرسي المُستَمِعِ لها مُنذُ سنةٍ وَنيف ...
وأشجارُ قلبي المُتَسامِقةُ هَلعاً وكَبتاً وَكمداً صِنوانٌ وَغيرُ صِنوانٍ سَقيتُها بِماءٍ واحدٍ وَلمْ تَتشابَه فِي الأُكل كُلُ ثَمرَةِ وَيومٍ أبلَعهُ فِي هذهِ الحياةِ لا تُشبِهُ أختها ..كُلُ يومٍ غائمٍ ..كُلُ يومٍ ممطِرٍ ...كُلُ يومٍ مشمِسٍ ..كُلُ يومٍ ضَبابِي ... لا يَعني لِي شيئاً لَكِن أَسوؤها ذلِكَ اليومُ الذي أكونِ فِهِ غَير قادِرةِ على فِعلِ شيءٍ بِمفردي ..ذلِكَ اليومُ الذي أتلجئُ فِيهِ الكُلَ لِيُسعِفَني وَيُساعِدني حَتى في رَفعِ الطَعامِ لفمي ....ذلِكَ اليومُ الذي تَقرصني فِيهِ الوحدةُ ولا تَرحَمُ ضعفي ...ذلِكَ اليومُ الذي أُرغِمُ الآخرينَ فيهِ على عَملِ أمورِ لَمْ يَعتادوا عَليها وأحشرَ نَفسي بِتَبرُمٍ فِي جدولِ أعمالِهم وَلا أكتَفي بِهذا وَحسب بل أُصادِرُ أحلامَهم بِطريقةٍ غَير شرعية وأرغِمهم عَلى التخلي عَنها قسراً وأمورٌ أُخرى قَدْ تَطالُ حتى عَلاقاتِهم الشخصيةْ
يَكفي لستِ المَلومة ....لا يُوجَدُ مَن يَفعَلُ كُلَ تِلكَ الأمورِ مُرغَماً ....لا بُدَأنه راغِبٌ بها ....نَعم راغِب
لا تَضحكْ عَلى يا إِبراهيم فهذا يُؤلِمُني أَكثر ...لَستُ تِلكَ الصغيرةُ التي تَعرِفُ كَيفَ تُضللُها بِمعسولِ الكلام ...أَنا أعلمُ كَم تعني لَكَ تلكَ المَجلة ..أعلمُ كَمْ حُلماً رائِعاً بنيتَهُ وبَدأت بَوادِرهُ تظهَر اضطررتَ لِنفيِهِ وَتشتيتِهِ بِسببي ..لَستَ أنت وَحسب بل حَتى إِيناس ...أَعلمُ كَم فَرداً سَتَظلِمُ بِفعلِك .....هناكَ ملاينٌ مِن الناسِ تنتَظِرُ كلمَةً طَيبةً تُواسيهم وأُخرى تَردُ لهُم حُقوقَهُم ...فلا تَجعلاني وإياهُم فِي كَفةٍ واحِدة ...أرجوكَ لا تَبني فِيَ عُقدَةَ ذنبٍ لا أبرأُ مِنها ما حَيت ، يَكفي ....آآآه يا قَلبي يا صابِر مِن أينَ لك وَ من أينَ لي مِنْ أينَ لي برحى تطحَنُ حَباتِ الحُزنِ فِي قلبي !!!!،مِنَ أينَ لي بِمعولِ أضرِبُ بِهِ الأرض وأذرعُها سَبعةَ أشواطٍ فتتفَجَرُ لي مِياهُ الأملِ والفَرحِ والتفاؤِلِ والرغبَةِ فِي هذهِ الحياة !!!!،مَنْ يعيدُ لي شِرمِذة أَحلامِي البكرِ التي اعتَزلتُ الإنجابَ بعدها وأنزَلتُ رَحِمها غيرَ نادِمة وأنا لا أجِدُ ما اتكئ عليهِ فِي هذه الدُنيا وَلا مَن يَترعاها لِي ،مِنْ أينَ لِي بِرائحةِ أُمي ، منذُ زمنٍ تركتُ رائحَتها تُهدهدُ غُربَةَ أنفي ، أنفي التي اعتزلت كُل شيءٍ حَتى هذهِ الورودُ مُذ رَحلت ، سابِقاً كُنتُ أعيبُ الفتاة التي لا تَعرِفُ كَيفَ تَرَتِبُ أمورها بدونِ الولوجِ لأمِها وإزعاجها فِي كُل شيء .....واليوم وددتُ لو كُنتُ إحداهُن ...لَو كُنتُ طِفلةً صَغيرةً لا تَعرِفُ حتى كَيفَ تأكُلُ وتَختارُ ملابِسها وددتُ لو تَمرغتُ في أرضِ حنانِها كُل يومٍ وساعَةٍ ودَقيقة ...وَددتُ لو رميت بانعزاليتي وغدوتُ تِلكَ الفتاة التي لا مَجلس لها سوى بَينَ منكِبي أبويها ...وَددتُ لو أن خُصلاتِ شعري لَثمت يَديها حتى تَشقَقت وَلمْ أعتَبر هذا عَملاً طُفولياً كَبرتُ عليه ، وأبي... لَيتَهُ يَعود لأرتَمي فِي حِضنه كُل يومٍ ،لأسقِيهُ الماءَ بيدي وأسمَعه يَصُبُ دَعواتِ الرضا عَلى فَترقُصُ أذني فَرحاً حَتى يَجتاحِني الصُداعُ فِي صَدغَي...أنا لا أُجيدُ الطوافَ إِلى عَلى الحُزن
تَجتَرِعُ ريّا الدُموعَ الجاريَةَ برِعونة وتَهوي بِوجهها عَلى الوِسادة ....يَصِلهُ صوتُها مَخنوقاً مُعذباً
أُمي أبي عُودا يَكفي غِياباً ...يَكفي بِناءُ كُلِ هذهِ القصور الموبوءةِ بالحُزنِ في قلبي ....عودا ....عودا ولو كانَ مُستَحيلاً ....على الأقل زُوراني فِي أحلامي ....عودااااااااا
تَنفَس الصعداء بَعدَ صِرعٍ عَنيفٍ مع البُكاء ، حاولَ جاهِداً أن يَربُطَ زِمامَ نفسهِ ، كَم هوَ صَعبٌ أن تَرفُضَ الدموع وأَنتَ فِي أمسِ الحاجَةِ لها ....وامرأتهُ قائمةٌ لدى الباب فَصكت وَجهها وَقالت : رَبِ كُن فِي عونِهما ...رَب مُدهما بالإيمان يـــــــــــاااارب
تَحدَثَ لِكي لا يُعطِيها فُرصةً لِتَبكي : قالَ تالله تفتئين تَذكُرين أُمي وأبي حَتى تَكونِينَ حرضاً أو تَكُونينَ مِن الهالِكين !!
اترُكني يا إبراهيم اتركني إنما أَشكو بَثِي وَحُزني إلى الله وأرجو مِنهُ ما لا تَرجون ....و أرجو مِنه مالا ترجون
أرجو مِنهُ أن يُرَيِحَني من حالي وَيُريِحَكُم مِن ثَقلِي ...أَرجوه أنْ يُحيني ما كانَتِ الحَياةُ خيراً لي وَيتَوفاني ما كانَت الوَفاةُ خيراً لي .... أرجوه كثيراً ...وأرجوهُ بالكثير
صَمت إبراهيم ..قلبَ بَصرَهُ بَين السرير والغُرفَةِ البيضاء .... كُتُبٌ عَلى الجانِبِ الأيمَنِ مِن الرف وُضِعت بِترتيب عَرفَ عَناوِينها مِن أشكالِها تَبسَمَ وهو يَتذَكَرُ طَريقتها فِي صفِ الكُتب وهي تَقلِبُها لِتطمِس عَناوينَها وكُلُ ذلِك لكي لا يأخُذها فُضولُ العِنوانِ لِتركِ الكتابِ الذي بَينَ يَديها والانتِقالِ للآخر،كُرسِيُها الذي تَحشُرُ فِيهِ أختهُ جسدها بالساعاتِ والأيام والمُصحَفُ الذي ابتاعاهُ معاً وَهُما يَتَجولانِ فِي البِقاع المُقدسة ، الدفتَرُ والقلمُ نَفسهُ الذي أهداهُ لها مُوصياً إياها أن لا تترُكَ تارِيخَ يومِ مِن أيامِها فارِغاً مِن خَطِها كان يَشعُرُ بِرغبَةٍ فِي قِراءتِهِ كُلِه أهداهُ لها فِي رمضانٍ الماضي أَتُراها ملئت كُلَ صفحاتِ السنة ....هل تَركَت صفحة ،عَصفت برأسهِ صورٌ لا حُدودَ لفوتوغرافِيتِها
ريّا ،أيتُها الجميلة لا تَصمي أُذنَيكِ عنِ زَقزَقَةِ الجمالِ فِي هذه الحياة ولا تُغلِقي عَينَيكِ عَن مناظِرها الخلابَةْ ،لا تُقارني نَفسَكِ إلى باللذينِ أَقل مِنكِ حظاً عِندا يَتَعلقُ المرُ بالحُزنِ والأم ، فالناظِرُ إلى هذه الغُرفَةِ الصغيرة يَعرفُ أن قاطِنها مم من أَنَعمَ اللهُ عَليهم بِنِعِمٍ لا حَصر لها ...لَكِ عَينانِ تَجولانِ فِي أي كِتابٍ شاءتا وَغيرُكِ لَم يَترُكَ طبيباً لِيُعِدَ ماءَ عينيهِ...لَكِ مِنَ الفهمِ ما يُؤهِلِكُ لِفهمِ الأشياءِ حولَكِ دونَ عناء وهُناكَ مَن يُعانِي أشدَ العناءِ لِيفَهمَ أقل الأمور ....لَكِ صوتٌ جَميلٌ وَلِسانٌ فَصيحٌ تَتلينَ بِهِ القرآن وَغَيرُكِ يَموتُ فِي سَبيلِ الله ليَقرأَ آيةً واحِدة وَغيرُكِ يعملُ ليالٍ لِيتقِنَ قراءة آيةٍ قراءةً سليمة وآخرون يَضربون في الأرضِ يبتَغونَ من فَضلِ الله يُهاجِرون أرضهم لِيجدوا مُتسعاً يَعبدون فِيه رَبهم براحة .....لَكِ وَجهٌ جَميلٌ صبوحٌ وَشعرٌ يتمناهُ الكُل وَيطلُبُهُ حَثيثاً .والكَثيرُ الكثير... وإن تَعدوا نِعمةَ الله لا تُحصوها أفلا نَكونُ مِن الشاكِرين
ريّا أقلعت عَن البُكاء مُذ بَدأ يتَحدث كانت منصتةً لَهُ بِكُلِ جَوارِحها وعُنُقها مُشرأِبٌ لَم يَتلفتْ وبالكادِ كانت تَرمِشُ بعينِها ....
طَبَعَ قُبلَةً عَلى خَديها ورَص عَلى يَديها وَتبَسمَ لها ، قالَ وَهوُ يُلملِمُ نَفسَهُ لِينصَرفْ :
كُوني بِخَير لِأكونَ ولا تَترُكيني
" عَلينا أن نرعى الحُزنَ بالضحك"*
عَبدوه خال
أومأ إِليها بالإيجاب وأدارَ قفاه
أأنت ذاهِب
نَعم لَدي ما أُنجِزُهُ إِيناس سَتَكونُ مَعَكِ سأعودُ رُبما وأنتِ بِغُرفَةِ العمليات فلا تَخذُليني عافاكِ المولى
أيُها الجَميل
تلفتَ لها مُبتَسماً
أتعلمُ إِنْ أَروعَ شيءٍ فَعلتَهُ بعدَ وَفاتِهما هُوَ زَواجُكَ مِن إيناس ، لَديها من يَنابيعِ الحنانِ ما يَكفي الأرض وَساكِنيها
لَم تَفتر حِدَةُ ابتسامَتُهُ
إذا رُزِقت بِفَتاة
سَأُسَميها ريّا الجَميلة
لا كُنت أودُ أن أقول لكَ لا تَفعل ذلِكَ ... لا تُسَمِها عَلي بل سَمِها " أَمل" عَلَ الحياةَ تتبَسَمُ لها
أَعُدنا إلى نَفسِ الموال !!!!
بَتاتاً
كُوني قَوية
أَعِدُكَ
خَرَجَ ووجهُ ينازِعُ وهوَ عَلى شفا حُفرَةٍ مِن النَحيب تَنَفَسَ بِصُعوبَةٍ بالغَةٍ جاءتهُ إيناس مُسرِعة ،كانَ فارِعَ الطولِ مُقارَنةً بِها ،تمنى لو أنهُ يُسنِدُ رأسهُ عَلى كَتِفها وَينتَحِبُ كالطفل..لو أنها تتحَملُ ثِقلَ ذلِكَ الرأسِ بِكُلِ ما فيهِ ، عَصَرَ يَديها بَينَ كَفيه قالَ بِصوتٍ مَخنوق : لا تـــــ تُرررركيــــــــها
تَركَها قبلَ أن تتحَدَثَ بِكَلِمَةِ مواساةٍ وَقبلَ أن ينصاعَ لِرغبَةِ البُكاءِ على كَتفيها تِلك
خَرَجَ وهُوَ يندِفَ عَن رأسِهِ الكَثير الكَثير ....خَرج ولا شيءَ يُواسيهِ سِوى نَفسه وَيمضَغُ ويَبلعُ حُزناً لا يُشاطِرُهُ فِيهِ أَحد وأَمرٌ واحِدٌ يودُ إنهائَهُ .... يُخرِجُ هاتفهُ وَيُسَجِلُ رِسالَةً صوتِيه ...."دليلُ الهاتِف" ... " أبي الثاني" ....
إرسال
وتصلُ الرسالة برداً وسلاماً على بسام ...
***
(22)
"ادفع بالسيئةِ الحَسنةَ تَمحُها فكأنَ الذي بَينَك وبينَهُ عَداوةٌ كَأنهُ وَلي حَميم"* = بَسام
" مَساؤكَ أُقحوان ، عَسجَدٌ وَلُجةُ ماء ، مساؤكَ سَجدَةٌ فِي مِحرابِ المولى وطاعَةٌ لَذيذة ، عَماه ،أَقصِد أبتاه مُنذُ نُعومَةِ أظافِري والطُفولَةُ الغضةُ الطرية كُنتُ أهوي إِليكَ راكضاً وَلُهاثي يَسبقني ،لَمْ أكن أُفَرِقُ بينَ أَبٍ وَعَم وَلم يَكُن أبي يَشعُر بالغيرَةِ عِندما أُناديكَ أبي، كانَ يَبتَسِمُ لِفعلي وَيُصادِقُ عَليه ، كُنتَ تَغضبُ مِن فِعلي وَكُنتُ أتمادى فِيه،كُنتُ أترَصَدُك بَأجملِ وأفضلِ ملابِسك وأحضِنُكَ وشَقاوةُ طِينِ الفلجِ تَملأني مِن أخمصِ القدم تلكَ التي تَغزو "دهداشَتَك" البيضاء عَن بَكرةِ أبيها وتنهارُ إمبراطُوريةُ عطرِكَ وتَغيبُ أمام رائِحَة النخلةِ والرطبِ والسعفِ وبَقيةُ مِما تَركه رعاةُ البقر مِن رائحة على ضفافِ العشبِ والوادي تحمِلهُ أسمالُ الصبية لِدورِهم ،أتمنى أن أعيد فِعلي ذلكَ وَلو لِمرة كانَ أكثرُ شيءٍ يُحزنني هُو بَيعُكَ للمنزِلِ والمزرَعةِ فِي تلكما الأرض الطاهِرة ،قَد تَقولُ أني كُنتُ بريئاً حَدَ الطُهرِ يومها لا أعرِفُ لِدَنَسِ القلوبِ طَريقاً ...قَولُكَ لَيسَ خاطِئاً لَكِنَهُ ليسَ صَحيحاً للتو واللحظَةِ يا "أبتاه" شَرِح قَلبي عَلى مِشرَحةِ الحقيقة تِلكَ التي سَتُخبِرُكَ كَم أنت غالٍ عَليه لا أُخفي عَليك أَني فِي أيامٍ تَمنيتُ لو أن الدَمَ الذي يربِطُنا يَغدو مِن خُرافاتِ الماضي لا تُعرِجُ إليهِ المشاعِرُ أبداً لكانَ ذلِكَ أريح لكَ ولي ،وَفي أحاين كَثيرة أتمنى لو أنكَ لا تَعني لي شيئاً مِن خَيبةِ الأملِ التي تعتريني إزاءَ أفعالِكْ لكِن كُل ذلِكَ لا يُغني مِنَ الحقِ شيئاً أنت عَمي وأبي وأنا أكونُ ابن أخيكَ وابنك ،قدَ أكرهُكَ ساعةً ..لكن حُبُكَ سَخي لسنواتٍ ...قد أتمنى أن تتألمَ ليوم لكن بِمقدارِ اليومِ أكونُ صديق الألم ِ للأيام ،مَقعَدُكَ فِي هذا القلبِ ليس مساحةً بينَ "الباءِ " و"الميمِ " وحسب بل هِي أعظمُ مِن أن توصَفَ وتُرسمَ حُدودُها!!!!!!!
كانت تِلكَ مُقَدِمةً طلليةً تَرَصَعت فِي أُسلوبي منذُ زمن لا أجدُ لها خلاصاً أما خُلاصَةُ الأمر فَحديثٌ أضفَرٌ فاقِعٌ لونُهُ يَسُرُ السامِعين
فَكرتُ في ما قُلتَهُ لليالٍ طِوال وَخلصتُ لِمُعادَلةٍ مفادُها أنك وريّا فِي قلبي = كُلَ ما تَزخَرُ بِهِ هذهِ البسيطة من صالحٍ وطالح وأنا لا أملِكُ أن أُضَحي بِكُما وَبِراحَتِكُما مهما كانَ الهدَفُ الذي أصبو إِليهِ سامياً ، لت شيءَ يُعوضِني عَن ابتِسامَتِكُما وأنفاسِكُما المُتهللَةُ فرحاً ...... كُلُ الأوراق وَكُل المُستَندات التي تُثبِتُ مُلكيتي أنا وإيناس لمَجلةِ " على أمل" سَتَصِلُكَ على الفاكسِ بَعدَ دقائق وَهي مُلكَك مُنذُ اللحظة هذا ولِأحيطَكَ عِلماً فقد دَفعتُ تعويضاً لِكُلِ العاملينَ فِيها حتى إشعارٍ آخر
بَقي شيءٌ أخير ...ريّا قد تكونُ الآن داخِلَ غُرفَةِ العمليات ادعُ لها فَهي تَحتاجُ الدُعاءَ كثيراً لِتَعودَ سالِمة
ريـــــــــــّا كانت ترغَبُ أن تراك ...قالت أنها تَشتاقُك
تُمسي
عَلى
طاعة
.......
بَسام كانَ يستَمِعُ لها مراتٍ ومرات وحرارةُ دمعٍ لم يَعهدهُ يَحفُرُ خنادِقَ عُمقها أميالٌ وأميالٌ فِي قلبه لَم يتلفت لِحالِهِ ووجههِ المنتَفخِ إلا مع فرقَعةُ الفاكسِ وَهوَ يأتي بِوَرقٍ ثَمين ، أطلَ عليهِ شعرَ بِخَجَلٍ شديدٍ وَهو يُعذِبُ هذه الأوراق بين يديه ، كَيفَ لا تتألم وهي في حَوزَتي ، شَعرَ بها تُعاتِبِهُ بِشدة تنبَهَ لما كانَ يفعل ولِقولِه السابِقِ لكبريائهِ الذي ظَنَ أنهُ يَحفظُهُ : اذكرني وحفُظ ماءَ وجهي بِما فَعلتُ لأجلِكَ فأنساهُ الشَيطانُ ذِكرَ رَبهِ فَلبِثَ في غَيهِ بضعَ سنين ، كانَ يَشعُرُ بنفسِهِ القذرة تلكَ التي لَمْ تُستأصل شأفتُها للحظَةْ ، نَفسِهِ المريضة التي لم تَعرف مَعبوداً سوى الهوى والشيطان النفسِ الأمارة تَتساوى مَعَ الأرض أمامَ إبراهيم ذلِكَ الطفلُ الذي وَرثَ العقل والحلم وحباهُ الله وزادَهُ بسطَةً فِي العلمِ والجسم كَم أنت أُعجوبَة ، أعجوبَةٌ في تعامُلِكَ ذلِكَ الذي أرغمني على تَحقيرِ نَفسي أمامك ...كَم أنت أُعجوبة مِن عجائِب الدُنيا الثمانِية لنقل
مَسَحَ دمَعَهُ رَمى بالأوراقِ فِي بَطنِ سلةِ المُهملات ، استَعاد رَباطَةَ جَأشِهِ وَزَفر : المُستَشفى ... المُستَشفى ...إِبراهيم ...ريّا ، رَباه فِي أي مُستَشفى سَيَكونان ....كان كالمَجنونِ لا يَلوي عَلى شيء ...أمسَكَ مَقبِضَ الباب شَعَر بِهواءٍ خانق ،بِحدةِ نَفِسهِ تَزداد ... بِضعفِ في قلبِهِ لَم يَعهده ، تَشنَجَت أصابِعهُ ، سَقطَ أرضاً زَحفَ واستَنَد عَلى إحدى الكَنباتِ فَتَحَ الدُرجَ وهُو يلعن ،أمسَكَ عُلبَةَ الدواء الدميمة وَبَلعَ حَبتين ، شَعَر بِخورانٍ عَجيبٍ فِي جَسده ، كان يَتمنى لو أنهُ قادِرٌ على الوقوف ،لو أن هذه النوبةَ لمك تَزرهُ الآن ...لو أن هذه الحدود تتلاشى كالرسومِ المُتحركة ويَجِدُ نفسَهُ بَينَ ذراعِ إبراهيم يعتذر ،كانَ يَشعُر بِفرحِ إبراهيم وإيناس الذي رَسمَهُ فِي مُخيلَته ،كانَ يتمنى لو يُمسِدُ شعر ريّا وَيحمِلُها، أن يراها قبلَ أن تُغلَق عليها تلكَ الغرفَةُ المشبوهة كُل ما كان يُريد ذهبَ هشيماً تذروهُ الرياح ،رياحُ الواقع ، بِما تَبقى من قوته أرسل لِعصام يَسألهُ عَنِ المُستَشفى الذي ترقُدُ فيهِ ريّا .... وَغابَ فِي نومٍ أليم لا أحد يَعرِفُ كم يَستَمر وُحلمُهُ الوَحيد أن يصحو على وَجهيهُما ........
****
(23)
"إنكَ لا تهدي مَنْ أحببتْ وَلكِنَ اللهَ يَهدي مَن يُريد" = إبراهيم =إِيناس=عِصام
الساعَةُ الخامِسَةُ عصراً ،أربَعُ ساعاتٍ مذ أُغلِقت هذهِ الغُرفة ،وريّا لا أحد مِنهم يَعرِفُ كَيف تَشعُر وما هُوَ مُعَدلُ ضغطِها ونَبضِها
إيناس تُمسِكُ بِمصحفٍ تتلو بصمتٍ فِهِ وهي تتخِذُ مقعداً فِي آخرِ الكُرسي فِي الجِهةِ المعاكِسة
عصام يلصِقُ رُكبَتهُ بركبَة إبراهيم وَهو يُقلب بَصرَهُ ما بَينَ البابِ ورِسالةِ بسام فِي هاتفهِ كان يرغبُ فِي أن يُبعدَ هذه الكآبة عن وجهِ إبراهيم بِخبر جميل ، لِكنهُ كان يَخشى أن بسام سيخذُلُهُ ولن يأتي وَينقَلِبُ الفَرَحُ حُزناً آخر ..
إبراهيم كان يرتَجِفُ بِشدة لَم يقوَى سِوى على الدُعاءِ الصامت الأبكم وَهو يَدفِنُ وجهه فِي حِضنِ عِصام ...
وَتمُر ساعةٌ أُخرى وأصدِقاؤُنا على حالِهم والهواءُ على وَتيرَةٍ واحده وَالصمتُ هو ما يسكُنُ المكان لا شيءَ سوى أنفاسِهم التي تعلو وتهبط وتَعلو وتهبط ...
تَضطَرِبُ الحَركَةُ فِي الشاشة التي تبعُدُ عنهم بِضعَ بوصات طولاً وعرضاً ، يتنبهُ الكُل لها ،تُغلِق إيناسُ المصحف وتقفُ عُلى رجليها لتستوضِحَ الرؤية ،يَشعُرُ إبراهيم بِحَرَكةٍ ما خلفَهُ، يفُزُ واقِفاَ ،يُبعِدُ عصام الهاتف ويقِفُ هو الأخر ، يبحلِقُ الكلُ فِي الكُل يُحاوِلُ كُلٌ منهم أن يَجِدَ إجابَةً تُرضيه ،دقاتُ قلِبهم تتسارع والحرَكَةُ لا يَخبو شَكلُها ووتيرَتُها ، يُمسِكُ إبراهيم بِيدِ عصام وتستَندُ إيناس على الحائِط خلفَهُما
وَيُفتَحُ الباب وَيدوي صُراخُ الطبيب :
blood we need more of blood quickly
وَيَصرُخُ إِبراهيم :عِصااااام عِصااااام لِمَ هل حَدثَ مَكروهٌ ما لِما يُريدُ دماً ...ياللله
وإيناس ترقُبُ المشهد بِعينين تَكادُ الدموعُ تُغرِقُهما و "اللهم أنت الحافظ ...اللهم أنت الحافظ" تتلوها بِصمت
إبراهيم يرتَجِفُ بِطريقةٍ عَجيبة وعِصام لا حول لهُ ولا قوة : عاين خيراً كُلهُ مِن الله خير ما يَكتبهُ ربي حادثُ أمرٌ طبيعي أن يَطلبَ الطبيبُ دماً كُلُهُ خير كُلُهُ خير بإذنِ الله
لم تُخفف الكلماتُ التي أطلقها عِصام من حالِ إِبراهيم ،فشيءٌ واحِدٌ قد يَكونُ فَعالاً لا ثانِي لهُ_صوتُها_
وَتتغَيرُ وَتيرَةُ الأنفاس الممرِضاتُ هُنا وهُناك وَلُغَةٌ عَجمِيةٌ تَسوسُ المكان وإبراهيم وعِصام يُحاوِلانِ جاهِدان التقاط أي شارِدةٍ ووارِدَةٍ مُفيدة ،وَيخرُجُ الطَبيبُ المسؤول
Everything will be good onlY be calm and GET focused please ….to be honest she has severe bleeding and we tray to save her life Problem, her response is slow with us>> we will do our best
لَمْ يُمهِلهُم حتى لِيلتَقطِوا أنفاسَهم وَدخل فِي تلكَ المعمعة ، وَتمضي ساعة والشاشة المُضطرِبَةُ ذاتُها والقلوبُ الوجلِة نفسُها ، وَتقاطيعُ المشهدِ ذاتُهُ لا يُغَيرُها سِوى خُرُوجِ الطاقَمِ الطِبي واحِداً تِلوى الآخر وَكُلٌ مِنهم يَنزَعُ كمامتَهُ ،وتخثر الكلمات ويتحجرُ الإحساس بالزمانِ والمَكانِ عَلى حَدٍ سواء ، ويسقُطُ إِبراهيم عَلى الأرضِ غَضبانَ أَسِفا مِن دُونِ أن يَشدُدَ لِحيةَ أَحد
وَيقِفُ الزمنُ لحظَةً يَسمعُ أنيناً وبُكاءَ كَلمِةٍ تُولدُ للأولِ مرةٍ فِي هذه الحياةِ المُتضعضِعةَ كالطفلِ الذي يتنفسُ الهواءَ أول مرةِ ويُمزِقُ حجب الصمت .....
وَيسودُ المكان ويَقِف النَفس غَير آبِهٍ بِمُعادلاتِ الحياةِ التي تَعلمها وكلمة واحدةِ يشترِكُ الثلاثة فِي تَرديدها " هل مااااااااااتَت؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟"
ولا شيءَ يحضرهُم غَير البُكاءِ والنَشيجِ إذ حلقت آياتُ التصبر وأحاديثُ أجرِ الصابرين بَعيداً بعيداً جِداً
ويأتي البُكاءُ عِندَ الصدمةِ الأولى كالصدمَةِ الأولى يَهزُ كَيانَ إبراهيمْ ومن مَعَهُ هزاً حَتى إَذا ما أتتهم الحقيقَةُ كَذَبوها وقالوا لِصاحِبِها إن اَنتَ إلا كَذابٌ أَشرْ .... لِمَ لا تُروِضُنا الحقيقةُ المُرةُ عَلى ابتلاعها نفساً نفساً ونحتَسي المَرارَةَ جُرعَةً جُرعةَ كالطفلِ الذي يَمشي خُطوةً خطوةَ تاتا تاتا حَتى يُسابِقُ النعامَةَ جرياً وَيعدو فِي دروبِ الحياةِ منتَشِياً لهذا الإنجاز ،لِماذا نفقِدُ إيماننا فِي الأوقاتِ الصعبة وَيفِرُ حُلو الحديثِ مِنا فِي الوقتِ الذي نكونُ فِيهِ للأمسِ الحاجةِ لهُ .
وتَحطُ يدٌ بارِدَةٌ عَلى كَتِفِ إبراهيم ، يَلتَفِتُ إليها بِفزع فتتراجَعُ هِيَ الأُخرى وَيبتَسِمُ صاحِبُها
تبتَسم ...مَن مَن الذي يبتسم وَكُلُ شيءٍ هُنا يدَنِسُ الابتسامة كَيف يبتسم ، يبتسم كَيفَ يقدِرُ عَلى ذلِكَ ، ويَتنبهُ لحظَتُها أن صاحِبَ الابتِسامَةِ البيضاءِ تلكَ لَم يَكُن إِلى "الدكتور فيزر " بِشحمِهِ ولحمهِ ، فَيفُزُ واقِفاً وضحكَةُ طفِلِ الأملِ فِي قلبِهِ تدوي وتملأهُ ، يهزُهُ هل نَجَحت أخبرني هَل نَجحت ، اللهُ يا يبشركَ بالخير بَشرني ، وتجِدُ الكلماتُ الضالات طَريقها لِلسانِهِ ولا تَمكُثُ كَثيراً ...... كعابِرِ السبيلِ
I am very sorry your sister and I do our best Ibrahim we have made extra effort she was very courageous she wanted to live just for you and you know such things are out of our control please live the rest of your life happy as mUtch as you can and she want
يَتَعلقُ إبراهيم بياقتهِ ،يشدُها بِعنف ....no ….no said anything but don’t said that she dead
قُل أي شيء أي شيء لَكن لا تقل أنها رررررحللللللت أرجوووووووووووك ، لا لا قل أي شيء ريّا حية أليسَ كذلِك مازالت تتنفس .... أليسَ كذلكَ ...فيزر أرجوووووك ، أطلعتني أن نسبَةَ نجاحِ العملية 60% إنها نسبةٌ كبيرة ....كيف ؟ كيف؟ كـــــــــــــــــــــــــــــييييييييييييييف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟، أقتلتها 40% ،كانت كالقمر .... أأفلت ....أرحلَت .
كُل ما فَهمهُ فيزر من تلك المعمعة أنهُ غاضب ،نفض كفَيهِ وأشاحَ بِوجهه وعلاماتُ الأسف تُلونُ كُلَ تَجاعيدِ السنين عَلى وجهه نظرَ لِساعتِهِ غَربلَ للمرِض الممسكِ لدفترٍ وقلم بِحديثٍ فَهمَهُ ثلاثَتُهم ، حديثٍ يسبرُ أغوارَ كُلِ شَكٍ ،كانت جُملةً واحِدَةً ترى الكُلَ فيها صَرعى كَأنَهُم أعجازُ نَخلٍ خاوِية " تُوفِيت فِي الساعَةِ السابِعةِ وأربعونَ دقيقةً وخمسٌ وثلاثونَ ثانِية وسِتةَ عَشر جُزئاً مِنَ الثانِية " وَأدارَ قفاهُ وقبلَ أن يولي هارِباً مِنَ الحُزنِ الأسود زَفَرَ بِحديثٍ فَهمَ الكُلُ مفادهُ قالَ أنهُ عاشَ مِن العمرِ ما يكفيهِ لِيتوصلَ لِمعادَلةٍ وحَقيقَةٍ عممها قالَ أن أصبرَ الناسِ الذينَ عالجَهم والذينَ أجرى لهم كُثراً من العمليات وقضوا نحبهم كانوا مُسلِمينَ عرب وأنَ هذا يُثيرُ فضولَهُ بِشدة وأنَهُ يتمنى مِنهم أَن لا يُشَوِهوا تِلكَ الصورَةَ حيثُ وَضعها مُسلمَةً مِن مُسلماتِ الحَياة سأعودُ لِمنزِلي وأُعلِقُ هذا اليومَ على مِشجَبِ دفتري "وَفاةُ مُسلِمٍ آخر ....يا تُرى أينَ يرحَلُ المُسلِمون " ..... أغلقَ البابَ ببطء وَصلتهُم دَمعَتُهُ الحارِقةُ فَتجرعوها معَ دُموعِهم بِحرقتها وَحريقها ....
هَل تَعبَثُ الأقدارُ معنا عِندما تأتي بأفعالٍ كهذه ،هَل تَختَبِرُ صبرنا ؟؟؟، صَعدَت رُوحُ ريّا لبارئها مُنذُ دقائِقَ ونيف وَثلاثَتُهم يُوصِدونَ أبوابَهم عَن الحقيقةَ وَيستَلونَ سيفاً يَودونَ لو أن بشهم قُوَةً فَيُقَطِعون كُلَ مُزمجِرٍ بالحقيقَةِ إرباً إربا وَتمنونَ لَو أَنَ هذِهِ اللحظاتُ ليسَت سوى تهيؤات كاتِب يَضَعُ نِهايَةً لِقصة ... وللأسف لَم يَكُن حُلُمُهم يُغني مِنَ الحَقِ شيئاً .
إِيناس تنتَحِبُ بِصوتٍ مكلومٍ مخنوق تتمنى لَو أن الصَبرَ يُمدُها بِخيطٍ فَتتشَبَثُ بِهِ للأجلِ إبراهيم لَكِن .....هَيهات
إبراهيم أغرَقَ ثَوبَ عِصامٍ دَمعاً وَدماً وكادَ يَخلَعُ كَتِفَهُ وَيجلِبَ الصمم ِلأذنِهِ مِن كَثرَةِ الصُراخ " عِصصصصصااااااااام آآآآآآآه عِصاااااااااام ريّاااااااا ريّااااااااا يا عِصاااااااااام مااااااتت مااااااتت تَرررركَتني آآآآآآخ قَلبيييييي سَيقِف آآآآه أختي رَحلتتتتت وَترَكتني وَحيداًاااا كَشجَرَةٍ يَتتتتيمَةِ الأبِ والأمِ والأختِ والأخ كُلهم كُلهم تَركوووووني لَفظوووني وَحيداً ... عِصااااااااام أخبرني ، أخخخخخبرني مااااااااذا أفعل ...... أخبرنييييي !!!!!!!!!!!!
وَعِصام ما حالُ صَديقنا .... هُو الوحيدُ الذي صَمتَ وَلم يَبكِ كجُلمودِ صَخرٍ حَطَهُ السيلُ مِن عَلِ خَرَس وَلم يَطلُبْ حَتى غِراءً يَستُرُ فِيهِ فِعلَ الدهرِ ، لِمَ نلعَنُ الدهرَ رُغمَ أننا نَحفظُ ذلِكَ الحّديثَ القدُسي عَن ظَهرِ قلب _ " يَلعَنُ ابنُ آدمَ الدهر وَأَنا الدهرُ لِي لَيلُهُ وَنهارُهُ " ...
وَعِصام كانَ بينَهُما لا يَقوى عَلى قمعِ بُكاءِ أيٍ مِنهُما وَلا حَتى عَلى مُشارَكَتِهما البُكاء ، الشيءُ الوَحيدُ الذي كانَ يُشعِرِهُ أنَهُ حَيٌ يَتنفس وَيَصِلُهُ بالوُجودِ صوتُ إِبراهيم وأنفاسُهُ المخنوقَة وَثُقلُ رأسِهِ الذي يَكادُ يَقصِمُ صدرَهُ وُشَتتهُ حُزناً وَبُكاءً وألماً وَحسرة .....
لِمَ ننكُثُ الوُعودَ التي أبرمناها مَعَ الأوقاتِ الصعبة سابِقاً وَنُشوِهُ ماءَ وَجهِنا؟ وَلِمَ مِنَ الأساسِ نَضعُها وننسى فِي لحظَةٍ أننا لَسنا مُلكَ أنفُسنا وانَ القاهِرَ فوقَ عِبادِهِ هُوَ الله وأنا لا نَمِلِكُ لأنفُسِنا نفعاً ولا ضَراً ؟؟،لِمَ نَظُنُ أننا سَنعيشُ مَعَ مَن نُحِب وَنُسبِغُ وَصفاً فِي المستَقبَلِ الزاهر ولا نَقرنُ حديثنا بِــــــ"إن شاءَ اللهُ إِن أحيانا المولَى لِوقتِها" ؟؟.... لِمَ نَحنُ دائِماً نُحبُ أنفُسنا بِطَريقَةٍ عجيبةً وَنَظُنُ أنَ كُلَ مَن رَحلَ عَنا لَم يَرحَلِ إلى لِعقابِنا وأننا فَعلنا منَ الأُمورِ السيِئةِ ما نَتَجَرعُ عِقابَهُ الآن ؟؟؟ وَلِمَ ننسى أنَ الذينَ رحلوا لَم يَرحلوا إلى لِمَن أَوجَدَهم وهُوَ أرحَمُ مِنا بشهم وَلو أنكَرت أفعالُنا وَأقوالُنا ؟؟؟ لِمَ نَحنُ دائماً قاصِروا التفكِير نَحصُرُ كُلَ شيءٍ فِي زاوِيَةٍ مُغلَقة وَنُعمِي أبصارَنا عَن الجَمالِ الذي تتشَحُ بِهِ الأشياءُ ؟ لمَ نَقرُنُ الحَديثَ بنُقَطِ الجمعِ وواوِ الجماعةَ ونونِ النسوَةِ وتاءِ جمعِ المُؤنثِ السالم ومن هُم عَلى شاكِلتها ؛ ألاننا لا نَكادُ نتَخيلُ أنَ هذه البَسيطة تَجودُ بِمن هُم فَوقَ نَظرَتِنا وَتَصَرُفاتِنا عِندما تأتي الأمورُ الصعبَةُ والليالي السوداء !!!!!!
لِمَ نَحنُ دائــــــــــــــماً بَشر !!!!!
بَكى إبراهيم وَبُكاءُهُ طِفلٌ لا يَعرِفُ مِنَ الحياةِ حَتى اسمهُ وَتَبكِي الجُدرانُ البيضاءُ لبكائهِ كانَ يَتمنى أَن يُوقِفَهُ أحد لَكِن ماذا نفَعلُ بِأُمنِياتِنا التي لا تتحَقق وَعِصام لا مِهنةَ لهُ سِوى استرجاعُ الماضي بِتفاصيلهِ الحلكة وَلم تتناسجَ خُيوطُ الحالةِ التي رزح تحتها سوى إبراهيم وَهوَ ينكفئُ على رُكبَتيهِ بَعدَ ان نزعَ نفسَهُ مِن كَتِفِ عِصام ، ويَشعُر عِصام بِشعورِ الشخصِ العائِد للوطِن مِنَ المنفى وَالدمُ يَعودُ لِكتِفِهِ مُتدفقاً لا يُعرقِلُهُ مُعرقِل يُقلِبُ بَصرَهُ بَين إبراهيم وإيناس وكُلُ منهُما رِوايَةٌ لا تعتزم عَلى الانتهاءِ ، وَيقِفُ عِندَ البابِ المُتفاخِرِ ببياضِهِ ،يتذكَرُ أن ريّا ما زالت بالدَاخِل وتأتيهِ الصوَرُ الماضياتُ سَريعةً .....الطارِقة ...الشِفاهُ المزرقة ..الجَسد البارِد.....الكَفَنُ الأبيض ....ورائِحةُ الكافورِ والصندَلِ ودَهنُ العود وكُلها = وُجودَ ميتٍ وأنَ رائِحةَ الموتِ تزكم الأنوف ، يدفَعُ الباب َ بِقوة ....و وَيقِف يقفُ أمامَ سريرٍ لا يَظَهرُ مِنهُ شيء سِوى تكُومِ جسَدٍ لَم يُفِلح الغِطاءُ الأبيض عَلى إخفاءِ مَعالمهِ وَأجهِزَةٍ كانَ أبشَعُها ذلِكَ الموصولُ بالصَدماتِ الكهرُبائية ونَبضِ القلب الذي استوى خطاً مستقيما ، كَشَفَ عن وَجهها لِتعودَ لَهُ صورَةُ رَيان الصَغيرة التي فَقَدها فِي المشفى ذاتِهِ عَجباً هل تتشابَهُ الأقدارُ للذينَ تتشابَهُ أسماءهم ،هَل يرحَلونَ للأرضِ ذاتُها وَيُجبِروننا عَلى البُكاءِ بذاتِ الدموع ،دنا مِنها وتهبِطُ دموعُه سَيلاً عرِماً تمخُرُ عُبابَ بَحرِ الصمت .....
آآآآه يا ريّا ، ها أنتِ ذي تَرحلين وَتلحَقينَ بمن تَمنيتِ فِي كُلِ ثانيةٍ أن تَكونِي مَعَهُما ، يا عَذبّة الروح لطالما كُنتُ أكرهُ بُكاءَكِ وتَعنُتَكِ وأنت تخطِفينَ مِني صَديقي وتَرفُضينَ إطلاقَ سراحِهِ وَتُلزِمِنَهُ عَلى نَكصِ مواعِيدِهِ مَعي لِيَقُصَ لَكِ قِصة وَعِندما تتصِلينَ عَليهِ فِي مَنزلي وتحبُكي لَهُ حبكَة مِن بناتِ أفكارِكِ فَيُصَدِقُها ويُسرِعُ إليكِ وَيترُكُني أُكملُ ما تبقَى مِنَ المساءِ بِمفردي ، مُنذُ الطفولَةِ البريئة وأنتِ تَجدين ما تَطلبينَ وترغَبين واليوم .....واليوَم كانَ لَكِ ما أردتِ ها أنتِ ترحلينَ كالأبطالِ الذينَ فَضلوا الموت عَلى عَيشِ الحياةِ بعدَ أن انتهىت البُطولة .... لكِن ما ذا عَن توأمِ الروحِ إبراهيم رَحيلُكَ سَيجعَلُهُ أرضاً خصبَةً للأحزانِ والألم ...تركتيهِ ورَقةً هَشةً لِنوائِب الدهر تَدهسُ عَليها ... أعادَ طرفَهُ إليها كانَ وجهُها أصفرَ قد فقدَ ألقَهُ وَشَبَحُ صَرخَةٍ وابتسامَةٍ فِي آنٍ واحدٍ يعلو مُحياها ، لِمَ علينا أن نتَكَبدَ عناءَ تفسيرِ هذا التعبيرِ الأخير أهو رِسالة ! شِفرة ! قِصةُ حياة! أم ترنيمةٌ ! .... كَيفَ تتساوى الأضداد ؟ أعلميني أيتُها الصغيرة !! ألا يُوجَدُ مِن كُلِ دلائِلِ موتِكِ شَيءٌ رَشيد !!!
.
.
.
. إبراهيم عَلى وضعِيتِهِ ذاتُها ، إيناس تُمَسِدُ ظهرَهُ وتدعو وتتلو بِصمت والألم يصهُل فِي قلبِها ولا تَجِدُ لهُ أي لِجامٍ يُرَوِضُهُ ، بكت وبَكى إبراهيم على قَدميها كالطفلِ كانَ يَشعُرُ بِخواءٍ لم يَعهده وَهُوَ يسمَعُ مِن إيناس كلِماتٍ قُدَت مِن حقيقةٍ كالحنظلٍ والشَوك " إكرامُ الميتِ دفنُهُ يا إبراهيم ...، ادعُ لها إنها أحوجَ إليهِ أكثرَ مِن أَي وَقتٍ مَضى ......إبراهيم لا تَفعل هذا بِنفسِكَ إنما يُوفى الصابِرونَ أجُورَهم بِغير حساب ...اصبر ...أعرفُ أنها قاسية لكن لا أملِكُ أبلغَ مِنها فاصبِر وتَصبر ..."
وتتحشرَجُ الكلماتُ فِي بُلعومِهِ وَلم يَقوَى عَلى إرسالِها، يَرى غَبشَ صورَةٍ مِن بَعيد يَحتضِنُها ذلِكَ الرواق .... تَبدو مألوفةَ وَغيرَ مألوفَةٍ فِي الوقتِ ذاتِهِ ... إِنَهُ ....إِنَهُ عَمي .....إيناس هذا عَمي بَسام وَيقِفُ الاثنانِ ، يَمسَحانِ دُموعَهُما وَتبدو الصُورَةُ أكثر وُضوحاً ......إ نَـــــــــهُ بَـــــــــساااام
يَبدو مألوفاً بِملابِسِهِ ونِعالِهِ والمشية ذاتها وثباتُ الرأسِ ذاتُهُ ورائِحَةُ العِطرِ ذاتُها....ويبدو غَيرَ مألوفٍ بِوجههِ الأصفر والهونِ الذي حَلَ عليهِ فجأةً والكيسِ الأسودِ المُخطط بالأبيضِ والكعكة المُغلفةِ والرِوايةِ وورودِ ريّا يُوزِعُ كُلَ هذا فِي يدينِ لم يَبصُرهُما يَوماً يَحمِلانِ مِثلَ هذهِ الأشياء ....
وَصديقنا بَسام ...كانَ مُسرِعاً فِي الرواقِ الأبيض يَتَعثَرُ كَثيراً لِعجَلَتِهِ وكلِمتين لَم يعرف أن ينطِقَ بِغيرِهما لِيُخرِسَ كُلَ تَساؤُلاتِهِ عَلى طُولِ الطريق " ريّا ...إبراهيم ...المستَشفى ....آآآه ريّا ...إبراهيم ....المستَشفى ....ريّا ... العملية .....أينَ ترقُد ....إبراهيم كَيفَ هوَ .....ريّا ....إبراهيم .....المستَشفى " وَتَصِلهم هَمهمَتُهُ وَيَتوَقف ، يَضَعُ ما بِيدَيهِ عَلى الكُرسي المُسالمِ وَيبِقي الورد فِي يَمينِهِ ،وَيلتَفُ عَلى إبراهيم يَعصُرُهُ بِشِمالِهِ حَتى يَكادُ يَخنُقُهُ وإبراهيم كالأبكم حَتى أنهُ نَسيَ الدموعَ وريّا وَمُصيبَته ، ويأتيهِ صوتُهُ فلا تَكادُ عَيناهُ تأخُذانِ قسطاً مِنَ الراحة حَتى تُناوِب غُدد احتياطِيةٌ مِن الدمع لم يَدرِ أينَ كانت مُخَبأة "سااامِحني يا صَغيري ،ساامِحني يا بُني كُنت نِعمَ الابن لِبِئسَ العَمِ والأب ، أنا لا أُجيدُ الحديثَ مِثلكَ لَكِن "سااامِحني" أنت وَأُختُك سَجلها فِي صفحَةِ التاريخ كما سَتُسَجِلُها ريّا فِي ذلِكَ الدفتر " عَمي يَحضنُ أخي وَيعتَذِرُ مِنهُ" ، وَيقصِدُ البابَ الواجِمَ أمامه ،.....................و ......و يُمسِكُ ثوبَهُ مِن دُبر "ريّا ....أُختك ..أتعلم أينَ هِي الآن "....تتحَركُ ذِراعا إبراهيم وَتُطَوِقانِهِ حتى تَسقُطُ حُزمَةُ الوردِ وَيَصِلُهُ نَحيبُهُ حاداً كالنَشاز " ريّا .... لَن تَرى وُرودَك بَعدَ الآن ما كانَ يَجِبُ أن تَنزَعَ هذه الورود مِن مسكَنِها وتُعذبها بالمقص وَتخنِقها بالشرائِطِ المُلونة .وَتحشُرها فِي كيسٍ بلاستِكي مؤذي...ولِماذا للأجلِ سَراب .... ريّا تلك الصغيرةُ التي تتقنُ تقدير هذا الجمال خَطَفها الموت ....ريّا ماااااااتت مااااااااااااااتتتتت يا عَمي ماااااااتتت آآآآآه ريّا رَحلتتتت فما الذي يُصبرني ويُثَبِتني وهذا القلب ....وهذا القلب ياااااااعَمـــــــــــــــــــــــــــــــااااه وَهذا القلب !!!! أُأمزِقُ ثوبي أم أنفِشُ شَعري !! وهذا الجَسد !!!وهذا القلب ،وأشار إلى قلبِهِ ، تخَنَقهُ العبرة وينقطعُ الصوت ويغِيبُ الحديثُ أمام النحيب
وَيكمِلُ بَسام الكلام المبتُور عَلى طَريقَتِهِ المُثلى ، إبراهيم عاين خَيراً لا تفاولِ عَلى أُختِك سَتقومُ بالسلامَةِ بعدَ ساعة انظر وأشارَ لِساعَتِهِ تَنتَهي العملية الساعة الثامنة ولِيزولَ تأثيرُ المخَدِر تحتاجُ ساعتينِ على الأقل ، لا تبكِ كُن قوياً لأجلها ....كانَ يضحَكُ عَلى سَذاجَةِ عمهِ وكُن قوياً ترنِ فِي أُذنِه كالناقُوس كانَ الأجدرَ أن أقولَ لِنفسي قبلَ أن أقولَ لها كُوني قوية ، بالفعلِ يا ريّا كُنت قوية يَومَ قررتِ تركنا ، أنتِ دائِماً تغلبِينني وتَأتيهِ تَعابِيرُ وجهها بِكُلِ شُخوصِها ماثِلةً أمامهُ يَومَ قالت قبلَ ساعاتٍ " أعِدُك" ويَتبَسم لِمُحيا عَمِهِ " لَقد مَر الموتُ مِن هُنا ...لقد مَر وَاصطحَبها مَعهُ لَم تنجِ العملية أصابها نَزيف"
وَترتَطِمُ الكلماتُ بِوجهِ بَسام وَيغدو أكثرَ صفاراً كالِحاً كقطعِ مِنَ الليل تَسودُ الدنيا بِعينهِ وَيتلعثم ويُجاهِدُ لِيُخرِجَ حرفا
مـــ مــــ مـــ اااات ت ت
وَهل عَلى الموتِ إلى السلام ! ،يومئ لهُ بالإيجاب
لَم يَزِدهُ إبراهيم حرفاً ،
وَيتَهدَجُ صوتُهُ ،
يضيقُ نفَسُهُ
تتشَنجُ أطرافهُ
يتحسسُ جيبَهُ
لا أثَرَ لها لقد نَسِيها
يضغطُ على أصابِع إبراهيم بِقوة ، تتلاقى الأقداح ويرى إبراهيم فِي عَينيهِ حديثُ متزاحم وآخر قد صفَ طابورا مُنظماً ولا يَشعُر سِوى بِسِقوطٍ مدوي وارتِطامِ شيءٍ ثقيلٍ جداً جدا يَخرُجُ على إثرِهِ عِصام هَلِعاً ....بَساااااااام
وإيناس تُسرِعُ للأقربِ ممرضةٍ تشرَحُ لها الوضع ،وإبراهيم واقِفٌ يتحسسُ يَدَ عَمهِ التي تركت يَدَهُ مُعلقَةً فِي الهواءِ تبحثُ عَنه ............ عمييييييييييييي ، عمييييييييييييييييي أرجووك استيقظ لِم لم تُخبِرني أنكَ تُعاني مشن نوباتٍ ما لكُنتُ نَقلتُ لكَ الخبر بِطريقةٍ أكثَرَ لُطفاً ..................عمي عمييييييييييييييي
ويحولُ بَينَهُما طاقَمٌ طِبيٌ يُعيدُ هاجِسَ الموتِ إليهِ مُجدداً وَيهتري قلبهُ ولا خَيطَ ولا إبرةَ تَرقُعُهُ والدمع يسيل يروي جدب الأرضِ تحتهم ... كانَ حزيناً حدَ الثَمالة...
يَتبَعُهم هُوَ وَعِصام وَينتَظِرانِ معاً مَجهُولاً آخر ،لا بَصيصَ لأمل لا شيءَ سِوى ضوءٍ يُعشي البصر ولا يَهديهِ ....
لَم تَقوى إيناس عَلى دُخولِ تِلكَ الغُرفَةِ التي تَرقُدُ فِيها ريّا شَعَرت بِرغبةِ لاستذكار لحظَةٍ قضتها معها عادت للغُرفَةِ التي رَقدت فيها للأكثرَ مِن شهر وَفي شهر صَيرتها من ممتَلكاتِها كُلُ شيءٍ هُنا يُحبِها وَتُحبُهُ كُتُبُها دَفتَرُها سَريرُها ومِلاءتُها وِسادتُها التي تَشتكي غُربَةَ رأسِها وَشعرِها حتى كأسُ الماء ورائِحضةُ العِطرِ التي تضوع باحِثَةً عَنها .....أيُ فتاةٍ كُنتِ يا ريّا .....أي طِفلةٍ وأيُ نَجمةٍ لَم تُمهل لوقتِ سرار ؟؟؟؟
تدمعُ عيناها بِحُرقة حينَ استقر طَرفُها عَلى رِسالَةِ إبراهيم التي قرأتها لها مُنذُ ساعات ووضَعتها كَما هِي وَلم تُوَضِبها وعِندما أرادت ذلِكَ همسَت لها " أرجوكِ اتركيها مَفتوحَةً كما هِي سأعودُ لأغلِقها على طَريقَتي لا بُدَ من تأبينٍ يَليقُ برِسالةِ أخي سأمشي لها بِقدمي ولن آتيها ضَعيفَةً أحبو إن شاء الله "
أمسَكَتِ الرسالة وأعادت سُطورها لكن هذه المرة لا توجدُ تلكَ التي ترقُدُ في السرير لتتفرسَ فِي وَجهها وترى وَقعَ الأحرُفِ على قَسماتِ وجهها
" مساؤكِ / صباحُكِ أُقحوان عَسجَدٌ ولُجَةُ ماء ، لَم أحدد ولم أفرِض لَكِ وَقتاً مُحددا لتقرأيها لِعلمي بِكِ فساعتكِ البيولوجية تحسِبُ الوقتَ بِطَريقَتِها الخاصة ، ريّا لَوت مَشاغِلُ الحياةِ كاحِلي فأصبحتُ أصحوا وأنامُ وأنا لا هَم لي سِوى كاحِلي ، اليوم وربما قبلهُ بِقليل نَهرَني بِنفسِهِ بِشدة لِفرطِ ما اعتَنيتُ بِهِ ، أنا لا أسبِغُ وصفاً فِي تَبرير خَطأ اقترفتُهُ وَرُبما لا زِلت
أنا سَقيمٌ
وبي سَقمٌ
ولا أجدُ اتقاءً
لنفسي أو لِغيري مِنَ المَرَضِ
أنا والحزنُ والليلُ حيثُ سماءكِ
ثالوثٌ سَقيمٌ غَيرُ مُكتَملِ
فَهلي بِمعذِرةٍ تُداوي
بَعض ندباتِي وَحدباتي
جَفاني النومُ يا أختي
ولستُ بتارِكٍ أمسي
ولا يومي
ولا راغِبٌ بــِغَدي
وبِي أسفٌ
ملءَ فَمي
أدمنتُ طُولَ الليالي مِثلَكَ يا حَبيبَتي ، أختي الجميلةُ أشتاقُ لَكِ كُلَ يومٍ وأمرضُ كُلَ يومٍ لا أراكِ فيه ، قد تضحكين على سَذاجَتي ، لَكني أقولُ لَكِ هل كُلُ دواءٍ يُشفي كُلَ مرض وهل كُلُ سَقيمٍ لا بُدَ ولهُ من عِلاجٍ يذهبُ بِما فيهِ
وَبي أسفٌ ملءَ فمي يا أختي وأنتِ تعلمينَ كم هُوَ كبيرٌ فَمي
كُوني قَويةً أيتها النجمةُ الجميلة ، للان سمائي تستَمدُ قوتها مِنكِ ....مِنكِ وَحدَكِ
قُبلةٌ على قلبِكِ الطاهِر حيثُما وَطأ / مُحِبُكِ إبراهيم سليمان = أخاكِ "
آآآه يا ريّا يا حبيبتي ....آآه يا إبراهيم يا حَبيبي ....آآآه حبيبي يا ربِي ارحمها وَكُن بِعونِهِ....تُغلِقُ الرسالة ونومٌ عميقٌ يُعِدُ العدة لِتقَعَ أسيرَة قبضتِهِ
إبراهيم أمامَ سريرِ عمهِ منكفئٌ يبكي بِصمتٍ ، متقوقِع على نَفسِهِ يعُدُ قَطراتِ المحلولِ الذي حُشِرَ فِي يدِ عمِهِ وحادي الحُزنِ يسوقُهُ إلى حيثُ تشاءُ الأقدار ..
وَعِصام ...يَستَعمِلُ أوراقَ إبراهيم ويَستَخرِجُ شَهادَةَ وَفاةٍ لريّا وَيدعوا أن يَتَغمَدَ رَبُهُ رُوحها وَيُصبِرهم أجمعين
جميعهم أعلنوا الحِداد ولبَسوا السواد لِكم ...لِيومٍ ...لِيومانِ....لِثلاثَةٍ .....لِشهرٍ ...لشهرانِ لِكم؟؟؟
كُلُ ما هُوَ مُتَيقنٌ مِنهُ يومها أن الحُزن كان مَن يَسوسُ أصدِقائنا وأن الدمعَ ظل رَطِباً غَضاً يَبني بُيوتاً لا عِمادَ لها فِي كُلِ لحظةٍ أعطاهُ فِيها الحُزنُ تأشيرَةَ دُخول
آآآآآه أيها الحزن لا بُدَ أن تَكونَ ماثِلاً أمامنا لِنحيا ...
تُمسِي عَلى خَـــــــــــــــــيرٍ أيُــــــــــــها "الـــــــــ حُـــــزُن"
****
"أيُهَا المَاضِيْ .,! لا تغيِّرنَا كُلمَا إبتعدنَا عنكَ .,أيُهَا المُستقبلْ .,! لا تسألنَا مَنْ آنتمْ ..وَمَاذا تُريدونَ مِنيْ .,؟
فَنحنُ أيضاً لآ نَعرفْ .,أيُها الحَاضِرْ .,! تحملنَا قلِيلاً فَلسنَا سِوىَ عَابِريّ سَبيّلْ ثُقلاءْ الظل =*" النِهايــــــــــــة .,!
فَنحنُ أيضاً لآ نَعرفْ .,أيُها الحَاضِرْ .,! تحملنَا قلِيلاً فَلسنَا سِوىَ عَابِريّ سَبيّلْ ثُقلاءْ الظل =*" النِهايــــــــــــة .,!
هُنا /شُــــكراً جَزيلاً
أملى بَسام الطريقَ عَلى إبراهيم حَتى وَصلوا فَتَحَ بَسام الباب وقَلبَ بصَرَهُ حيثُ تستَكينُ لوحَةٌ كأنها البدر ليلةَ اكتماله ،أطلَ إبراهيم مِنَ النافِذة ووقَفَ على اللوحةِ والمشهدِ ذاتِهِ ، وَقلمٌ يانِعٌ شابٌ يكتُبُ الكثيرَ بِداخلِهِ لا يَملِكُ أن يوقِفه ...
"وأخيراً ....... والحمد لله "...نَدَت هِذهِ الكلماتُ عَن بَسام
أحسها إبراهيم ثقيلةً بعضَ الشيء واِستقبح إحساسَهُ ،دَفَنَ كُلَ ما يَختَلِجُ بِهِ صدرُهُ فِي ما خُطَ باللونِ الأحمر
"مؤسسة رَيّا للعملِ التطوعي والخيري "
تحتَ إدارة وَزير الموارد البشرَيِة والتنمية الاجتماعية
وباللونِ الأسود جَلسَتَ جُملَةٌ مِن جُمَلِ كاتِبِكِ المُفضل
" غِيابُ الحُرية يُفقِدُنا المُساواة وَغِيابُ المُساواة يُفقِدُنا العَدالة وَضياعُ العدالة يَجعَلُ الظُلمَ شخصاً وَحِداً مُجَسداً"*
ياآآآآآه يا ريّا
هل رَحِيلُكِ يَجعَلُ الناسَ مُتَصوفينَ مُتَقشفِين لدَرَجَةِ التقشُفِ المدقع بالمُقارَنَةِ مَعَ سابِقِ العهد ، هَل يقلِبُ الموازينَ حد الجُنون ! حتى ذَهابُكِ جاءَ بطلاً ويَعيشُ الآنَ بَطلاً وَكادُ أجزِمُ أنهُ إن مات سَيموتُ بَطلاً إنهُ يُريدُ أن يُخبرنا عَن الكثيرِ مِنِ الخبايا وَيُريدُ أن يُحسسنا بِالقدرِ الذي نَحنُ ندينُ لهُ وَلَكِ بالكثير .... لَيَتكِ تَعودينَ ولو لِيوم لتري أينَ وَضَعَ عَمي بِرجستيته وفَنَ التعامُلِ مَعَ الأشياءِ الذي لم يَكُنْ أي مِنا يَظُنُهُ سَيترُكُهُ يوماً حَتى لو انطبقت السماءُ عَلى الأرض ،هاهوَ اليوم يأكُلُ الخُبز الجاف ، يَمشي وَيستَقِلُ أي حافِلَةٍ ولا يأبَهُ بمِن فيها وما فِها ، لا يَترُكُ المسجِدَ ولو كانَ يَحبو مِنَ المرض أنا نَفسي فِي بادئ الأمر حسِبتُها مُجرَدَ نزوة لكِنَ الواقِعَ يعصِفُ بِي عَصفاً، غَدى يُذكِرُني مِنَ المعروفِ ما نسيتِ ومِن البرِ ما غفلت ، أصبَحَ يعمَلُ ليلَ نهار ولا يَتهاوَنُ فِي مُساعَدَةِ أحد بِغضِ النظرِ عَن مَكانَتِهِ، انتقَلَ بَعد رجاءٍ بالعيشِ فِي شُقتي الصغيرة ، ليتَكِ تَعودين لِتري عَينيهِ السعيدة كما لو لم تَكُن هكذا يوماً أنتِ السبب ولا أخفِي عَليكِ خُيوطَ الحُزنِ التي أشاهِدُها لا تَنفِكُ تتركُهُ وتبرَحُ مكانها حَتى تَعود تُلازِمُهُ حَتى قالَ لِي يوماً وأنا أستنكِرُ عَليهِ هذا الحُزن
إبراهيم .....لا يَفِلُ الحُزنُ إلا الحُزن
آآآآآهِ قُل للحياةِ بِلهفَةٍ مـــــــــا أقصرَك ......مـــــــا أجحفَك
ما أجحَفَكِ حينما نَعيشُ وَتُجبرِينا أن نبكِيكِ إن خَسرنا فِيكِ ما يُخسَر.....وما أقصَرَكِ حينما نُشاهِدُ جَحافِلَكِ تتهاوى عَن بَكرَةِ أبيها أمامَ قَبضَةِ من كانوا لَكِ "هامانَ وجُنودَهُ " عِندما تُجابهينَ بالخِيانَةِ مِن أقربِ أقرِباءِكِ
يغلِقُ إبراهيم النافذة وَعينُهُ تُشَيِعُ ظِلَ عمِهِ حتى دَخلَ المُؤسسة
أخرَجَ دَفتَراً ما عَصَفت بِهِ مُخيِلَتُهُ لِوهلة وكَتبَ بِخطٍ عَريض " السابِع عَشر مِن مُحرم .... أنا أقِفُ أمامَ لوحَةٍ جمِيلَةٍ كاسمِك بل هِي اسمُكِ "
قَلبَ صَفحاتِ الدفتر التي كانت قابَ قوسينِ أو أدنى مِنَ التمزق مِن كثر ما كانَ يَفَتَحُها وَيُغلِقُها وَتلا بِصمتٍ
"الخامِس عَشر مِن شوال ، الحالة = السماءُ تَبدو حُبلى بِخَبرٍ سَيءِ"
"لَم أكُن مُخطِئة السماءُ فوقي والأرضُ مِن تَحتي وأنا بَينَهُما مَحطَةُ التفرِيغِ لِكليهما لِكُلِ شُحنَةِ سالِبَةٍ أهلكَتهُما ....مَعَ ذلِك أهلا أهلا بِكُل ما يُخالِفُ الموجب ...أهلاً بِالفقد ...بِخاطِر الموتِ الذي يَمشي حَولي ولا أدري متى يَقفِ عَنِ الدورانِ فِي نُقطَةٍ أتقاطَعُ فِيها مَعُه ، أهلاً بِقدمي المَعطوبَتين والتي تَقرر اليوم ذُبُولَهُما وخُطَتا فِي صَفحَةِ البٌؤساء لِتارِيخٍ فِي كِتابٍ لا يَضِلُ رَبي وَلا يَنسى "
فَرَهُ سَريعاً وأكملَ تِلاوَتَهُ
" الحادِي والعِشرونَ مِن أغسطًس الحالة = ضَبابِيَةٌ لا بأسَ بِها"
" اليوم لا أعرفُ التارِيخ الهجري وأشعُرُ بِخيبَةِ أمل لهذا التارِيخِ الاضطراري، تَم تَخديري لِيومان وَصحوتُ ولا أعرف مَتى هَلَ هِلالُ شَعبان وَكم صَلاةً عَلي أن أقضِي ، لا شَيءَ حولي سِوى عَصيرِ فراوِلة بِتارِيخِ اليوم وَأجهِزة تتمنى لو تتذَوقُهُ.... أخي أشتاقُ لَكَ أيها الجَميل !!! أخبرني هَل هلوَست بِشيءٍ ما طِيلَةَ اليومينِ الماضيين ! هل أسمَعتني الآذانَ عَشِيَةَ كُلِ صَلاة "
وَرَكَضَ مَعَ الصفحات وَلم يَشعُر أن السَنة مَرت
" التاسِع عَشر مِن شَوال الحالة = فَرِحةٌ بِحجمِ الكون وحَزينَةٌ بِحجمِ كَفي "
" بِي فَرَحٌ لم يَزُرني مَنذُ دَهر ،أشعُرُ وَكَأنما الدُنيا لا تَسِعُني مِنَ الفرحة ، أشعُرُ أن لي أخاً بَطلاً لم أعرِف بُطولَتَهُ إلى الآن ، إنَ أفضل ما فَعلتَهُ يا إبراهيم أنك قررت أن تتزوج ولا تَترُكَ نَفسَكَ فَريسَةً سهلةً يَنهَشُها الحُزنُ متى ما شاءَ مِثلي ...أخي الصغير هَل أصبَحت كَبيراً هكذا فِي طَرفَةِ عينٍ ....، كُن دَوماً جميلاً كما لو أنكَ أخي الصغيرُ والكبيرُ معاً ، أتعلم رُغمَ هذا بي حُزنٌ ساذِجٌ أعرِفُ أنكَ سَتضرِبني بالوسَادَةِ على رأسي بِسببهِ ، أشعرُ بالغيرَةِ مِن تِلكَ الفتاةِ تَبدو أذكى مِني وأعقل وكذلِكَ أجمل أشعُرُ كما لو أنها سَتنسِيكَ إياي ....لا تأبه بِهذا ...كَم أنا أنانِية "
فتُبَسمَ ضاحِكاً مِن قولِها
هَمَ بِإغلاقِهِ وتَقَعُ عَيناهُ على صَفحةٍ لم يرها سابِقاً
" الأولُ مِن رَبيعٍ الأول الحالة = مُتوتِرة خائِفةٌ أترقب ، سَعيدَةٌ ومُشتاقة"
" خَرجَ أخي قبلَ ساعات قالَ لي " كُوني قَويةً" دَخلت إيناس وقرأت لِي رِسالَتَهُ التي ذَيلها مضرةً أُخرى بـــــ" كُوني قَوية" لَيتَهُ يَعود لأشكُرَهُ عَلى هذه الورقة التي أشعلت فَتيلَ أملٍ لَم تُفلِحُ حُبوبُ منعِ الكآبَةِ التي جَرعتُها أكداساً أكداسا فِي إيجادِ هذه الجذوةِ مِن الأمل ،مُشتاقَةٌ لِعمي أشعُرُ بِهاجِسٍ لا أدري كَنهه أتمنى لو يأتيني بِوردَةٍ يَحضِنني طَويلاً وَيحضِنُ إبراهيم أطولَ مِن ذلِك وأرى ضحكتهُ وأسنانهُ البيضاء ......كن بِخيرٍ كما لو أنكَ بِخيرٍ يا عمي
وَكُن جَميلاً كما لو أنك أخي يا إبراهيم ....و ...وأردُ لَكَ كَلِماتِك .."كُن قَوياً كما لو وُضِعتَ في أسوءِ الحالاتِ يا أخي "
إيناس ...كُوني تلكَ الفتاة التي أتمنى أن أُصبِحَ مِثلها وتأخذُني الغيرةُ منها كُلَ مأخذ...."
.
.
.
كُلُ سُلامى فِي جَسدِه بَكت أبعدَ الدفتر حتى لا تُفسِدَهُ دُموعُه ، أيتها الربيعُ الذي يزكُمُ أنوفنا بِرائِحَتِهِ المُخضَبةِ بِكُلِ لواعِجِكِ ... أيتها النجمةُ التي أفلت عَن سمائنا مُبَكِراً لِحكمَةٍ بالِغَةِ الرُسل ....سأكونُ قَوياً ما استَطعتُ إلى ذَلِكَ سَبيلا ...
يَأتِيهِ صوتُ عَمِهِ وَهُوَ داخِلٌ للسيارَةِ وابتسامَةٌ تَشُقُ حُجَبَ البُؤسِ شقاً ، يبادِلُهُ إياها وَيُحرِكُ السيارَةَ بصمت
.............وَيصمتان ......
يُديرُ المُسَجِلَ فَجأة ، وَتَحمِلُ جزيئاتُ الهواء لأذنيهما صَوتَ قَصِيدةٍ تُعيدُ لهُما بَغضاً مما حُفِظَا فِي الماضي ...وَتجري الأبياتُ بيتاً بيتا ،فَيبتُرُها بَسام وَيُغلِقُ المُسَجل ، يَلتَفِتُ لَهُ إبراهيم :
هَل هُناكَ مِن خَطب
لا ... فقط كُنتُ أتوقُ لِشيءٍ ما
ما هُوَ
لِمُناظَرَةٍ شِعرِيَةٍ كَما فِي الماضي
مُناظرة !!!!
سابِقاً كُنتَ أنتَ وَسُليمان وَريّا لا تَكادانِ تَدخُلانِ السَيارَة حَتى أسمعَ أصواتَكم بالتناوُب ، أعد لي ذلِكَ الخاطِر والإحساس الرائِع أسمعني ..
لكَ ما أردت ولَن أَرُدَ لكَ طَلبَك ولَكِن هَل لكَ أن تَبدأ أنت
صَمت بَسام ولم يَنبِس وأطلَقَ بيتاً لم يَدرِ من أينَ أتاهُ يَتبختر فأرسَلَهَ دونَ أن يُدَقِقَ فِي كَلِماتِهِ
" لا تَعذُلِيهِ فَإنَ العذلَ يُرهِقُهُ ....... قَد قُلتِ حقاً ولكِن لَيسَ يسمَعُهُ"*
قافِيةُ الهاءِ إذن
هذا ما جاءَ عَليهِ البيت أعتَقد أنهُ دورُكَ
دوري ....دوري ...إذن اسمع مِني
هُوَ الذي باتَ الكُلُ يَعرِفُهُ
خَيلُهُ ...لَيلُهُ والبيداءُ والقمرُ
أما أنا
"لا الخيلُ لا البيداءُ تَعرِفُني
لـــــكِنَما ....الليلُ الـــ طَويــــــــــلُ صَديـــــقِي "*
تَمت
أصيلة الكندي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق