الأحد، 5 مايو 2013

قصة قصيرة: حبل غَسيل


مضى على كتابة هذا النص شهر ونيف ؛ أردته أن يأخذ وقته في التطور ولكني مازلت تلك التي لا تعيد قراءة ما كتبت ولا تعدل فيه إلا النزر اليسير ، أتمنى فقط أن أتخلص من هذه العادة ()

هنا قصة قصيرة بعنوان
:حبل غسيل
فقط لا تحسنوا الظن في حبل الغسيل هذا فليس ككل الحبال !




حبل غسيل

تختنقُ بالهواءِ فِي رئتيها ، تدفعهُ بِكلها ،ولا تدري إن دفعت ضفيرتيها ثمناً لذلك ، تنظرُ لقدميها وهِي الفارعة الطول لِم انكمشتا والآن! ، تَكاد تسبق "الأف 16 " التي تُقلع عن الرمل الآن ،تبحثُ عن سمعها ،يتحشرج صوتها ،يُهدهدها: "على الأقل مازِلتِ تبصرين رُكاماً"

أين سمعت "عَلى الأقل " هذه آخر مرة ؟ هِي التي لا تحتفظ بكلمة كهذه فِي قاموسها

يلوح لهُ بكلتا يديه أن سلامٌ عليك! وهو المغضوب عليهِ قبل قليل المطرود من عملهِ بلا رجعه يقول :"على الأقل لم يقلل احترامي

"طُردت !مرة أخرى"  
                                                                                                                                                                            يَتلوى ألماً ؛يلعنُ اليوم الذي خرج فيه من مدرسةِ النازحين ؛و جهله ،غَضبه ؛وأربعة أعناقٍ فِي عُنقه ؛ويتوقفُ عندَ فَقرِهْ!؛يقول :"على الأقل أن أعيش مُعدما يعني أن أعيش "حُراً" من كُلِ شيء حَتى "مِني"!

يعتصرُ قلبها ؛تبتلع شَهقاتها "عَلى الأقل كُن حياً يا عَدنان"!                                                                                                          تَهزهم بعنف الواحد تلوَ الآخر ؛تَبحث عن ثرثرتهم ؛أصواتهم؛ضحكاتهم؛وبُكائهم؛تأتي بالصورة من بينِ الرُكامِ لزياد ؛ترفع إصبعه

_هذا أنت يا زِياد كانت أمي تَخشى عليكَ الأحلامَ لا غير ،قَم لتراك!

-أمي هذا أنا أليسَ كذلك ؟

-قلت لكَ ألف مرة لَستَ أنت ،لستَ أنت ؛لم يَخلقكَ الله بعدُ يومها

-يقول مُعلمي أن من يظهرون فِي الصور لابدَ وأن يكونوا عُظماء

-أستاذُك حالم ليسَ صحيحا                                                                                                                                              وكالعادة ما إن يتعب من أمه يأتيها كَسيرا:سَناء لم لا يمكنني أن أكون فِي الصورة؟ لم يُعذبنا الله بهم ونحن الأخيار ؟ قُلت لي ذات مرة أن الله يُصلي علينا كثيرا لأننا مُريدوه ، وأنا أيمم وجهِي شطرهُ هو وحسب ! فلِمَ يفعلُ بنا كُل هذا ؟

تنتبهُ إلى دمهِ يطمسُ معالم الصورة ،تخافُ مِنَ الدمِ في الصورة تُبعدها وَتَطوق يدَ أخيها

"لأنهُ يُحبنا يا أخي ؛ يُحينا كثيراً"

تُمسك بقطعةِ قماشٍ جافة ؛ولوهلة تصرخ "الغسيلُ اليومَ جافٌ يا أمي جاف!"

وتعود صورة الموتِ إليها فِي قطعةِ القماشِ ذاتها التي ظللت مَعالم الصورة قبل قليل

-ماتَ "عدنان" غيرَ آسف لشيء وشاكراً "فَقرهْ‍!"

رحل "زِياد" ولا حلمَ له سوى أن يَكونَ فِي صورة لجده صغيرا يجرُ قدميه خلف النازِحين تَعودُ لِأيامِ النكبة ؛ وأن يفهم ...رَبه!

وأمي التي تخشى الأحلام ،رحلت قبل أن ترى أكبر أحلامها ؛مَلابسنا تجف على حبل غسيل

-سيجف الغسيل اليوم إن شاء الله قلبي يخبرني بذلك

ولا تكادُ تنهي ما قالت:

-اختبئوا تحت المناضد ، انزلوا للقبوا ، أسرعوا ، الغسيل يا الله! سيدلهم !ّ

-سناء أسرعي يا ابنتي أزيليه من الحبل ،اخرجي من الخلف اصعدي من الغرفة الخارجية هو أسرع لكِ

ولا تَكادُ تتلقف كلامَ أمها ؛ تُدافع الهواء ؛ تلتفت للمنزل
-لا أسرع من طائراتِ العدو يا أمي .
 تمت
 

الأربعاء، 6 مارس 2013

مذكرات جامعية(2):كتب في الذاكرة (ثلاثية غرناطة)

 

 
 
 
 
 
للتو فرغت من صف كتبي التي ابتعتها من معرض الكتاب في رف أسكنته سويداء قلبِي ، ولا أملك خيارا سوى أن أكون جذلى ، وقفت مطولا أمام دار الشروق رأيت "تراب الماس" هذه الرواية التي لم أكملها لأنها انحذفت سهوا من الآي باد ولم أعد لقراءتها ولا أدري متى سأعود بالرغم من أنها كانت تبدوا أنيقة ؛لا أدري متى سأتوب من هذا الإثم الذي أدمنه كأن أبدأ كتابا ولا أنهيه ولا يستفزني فعلي لإنهائه ، رأيت مما رأيت "ثلاثية غرناطه" لرضوى عاشور ؛تذكرت أنني وعدت "ذهلاء" بقراءة لهذه الرواية ، كانت احدى الكتب التي في الذاكرة تلك التي لا يتأتى لك نسيانها بسهولة ؛ تسافر حيث الذاكرة بعيدة المدى ؛استعرت الرواية ببطاقة احدى الصديقات من مكتبة كلية الآداب ؛ كنت سعيدة بها وأسررت في نفسي أن مكتباتنا الجامعية تشهد تطورا ؛ لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي أثار إعجابي فنظام اقتراح الكتب مرحب به ويمكن لأي منا أن يقترح ما يريد من الكتب وتعمل الجامعه على توفيره إن أمكن ؛ أعدت الكتاب وما زلت أذكر دهشة موظف الإعارة يوم أخبرته أنني أسقطه سهوا ذات مرة فتمزق ؛ كنت مستعدة لادفع سعره بشرط أن أحمله معي إلى المنزل ؛ لكن لم يكن ذلك بإمكان ؛ تم العفو عن تلك الجريمة على غرار ما تمنيت .
عن ثلاثية غرناطة :
لطالما كنت تلك التي تحب الكتب ذات البعد التاريخي ؛ وكنت أخال هذه الثلاثية ستقدم لي بحثا متكاملا عَن غرناطة بصورة أدبية آألفها لكن لم تأتِ الرواية بالمستوى الذي رسمته وأردته من هذا الجانب ومع ذلك أحببتها ؛ أبدأ من العنوان فقد استفزني بقوة ولا أنكر فقد وجدت فيها ظلاً وافرا لما أردت بمقدار ما فقدت ، تتحدث الرواية في ثلاث فصول_غرناطة ، مريمة ، الرحيل _ عن سقوط الأندلس منذ عام 1492 إلى طرد شعبها من اسبانيا عام 1608، تسلط الضوء على مرحلة ما بعد سقوط غرناطة ليس في قصور أمرائها وملوكها بقدر ما في بيوت شعبها وحاراتها وأزقتها ؛عَن الناس اذ يقف لهم عدوا بالمرصاد أمام أبوابهم ؛عَن الناس وهم يودعون فلذات أكبادهم إلى حيث المجهول ؛ عنهم إذ يتخلون قسرا عن أبسط معتقداتهم ودينهم ؛لغتهم ؛ثقافتهم؛ تبدأ الرواية بمعاهدة تنازل من عبد الله محمد الصغير عن غرناطة لــملكِ قشتالة ولو بحثتم في تاريخنا لوجدتم أن أغلب تبدأ بهذا الإثم _" في البداية كان الخطب عليهم عظيما...ولكن جملة من الناس استسلم وسلم أمره لهم ...وكرروا أنه لا مفر من قضاء الله وقدره ...وأن توقيعهم على المعاهده أفضل ما يمكن الحصول عليه ...بكوا ووقعوا" _هكذا تشير رضوى برمزيات معينه عن القدس ؛تذكر أن الذنب "ذنبنا"وأننا من سلمناها "لهم" وأن الحسرة_ "هل تترك زيتونك على الشجر؟"_ تعود وبالا علينا لأن لكل "إثم" ثمنه ؛ وتدور الرواية حول سلالة أبو جعفر الوراق وتنتهي بعلي ابن حفيده ، أرى أن رضوى وفقت فِي اختيار شخصية الوراق لتبدأ بها الرواية كأن تشد ذهن القاريء لأمور أبعد من البرجوازيات والشكليات لأمور أعمق كالدين والموروث الحضاري والتراثي واللغة ؛ وهذا ما لاحظته من بدأ الرواية فلا الفقر فيها المال والحاجة بقدر ما هو انتهاك الدين ونسيان اللغة ؛ يموت أبو جعفر وعيناه لم تفتأ ترى كتبهُ في أحضان النار ؛يموت لأن روحا مثله لا تحيا بدون ورق _"وحدها سليمة لم تبك ولم تبادل أي من الجالسات الكلام ،يقلن"لكل إنسان أجله" فهل كان هذا أجله حقا أم أن حرق الكتب هو الذي قتله ؟"_ وكأن رضوى هنا ترمز لبغداد يوم حرق المغول كُتبها ؛ ترحل زوجته هِي الآخرى كمدا لأنها هِي التي قضت من عمرها وطرا تعبد الله حبا لم تكن لتدفع ثمنا لذلك عمرا قليلا تبقى لها تعبده وهي خائفة وجلة منهم وبالرغم من كل ذلك تموت والصليب على صدرها ؛هكذا يتقاطرون الواحد تلو الآخر ،وأكثر ما يقطع نياط القلب سليمة وهي تحرق وكأن "الكتب" لا تكفيهم بذلك تغطرسا !؛ يأتي الفصل الثاني "مريمة" على لسانها فمرية هي زوجة حسن حفيد أبي جعفر؛ ومازلت أجهل لم سمت الكاتبه هذا الفصل على اسم شخصية على غرار الإسمين المطلقين كغرناطة والرحيل ؛ كانت مريمة تمثل ذلك النوع من الشخصيات المؤمنة بطريقة أو بأخرى __"لا نرحل والله أعلم بما في القلوب والقلب لا يسكن إلا جسده "_ ؛ تلك التي لا تكف عن انتظار الأحلام الجميلة وتتعلق بكل شيء حتى لو كان من عدوها _"ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود قشة ؟ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلا مزججا وملونا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ما الخطيئة في أن يتطلع إلى يوم جديد آملا مستبشرا ؟"؛ ترحل مريمة كآخرين بقلب مكلوم على ظهر حفيدها "علي" ودموعها لم تجف عن قميصه كما آحلامها ؛ يدفنها هو الآخر ويكمل غربته حتى وهو مُرحل عن غرناطه تأتيه _"تأتيه غرناطة يقول :يا غربتي "_ ويلملم نفسه كزجاج مبثوث_"يتلمس الغريب المكان ،يتعرف ببطء عليه ؛وتبقى المسافة لتؤكد غربية المكان وغربته فيه "_ يتحامل على غربته مازال الإنسان الحالم يسكن فيه _"يشقيه الحنين ثم تمر الأيام ينتبه ذات صباح أنه وهو الغريب لم يعد غريبا ؛ يعود لغرناطة وقد تغيرت حتى لم يعد يفرق بين القشتالين والعرب لأن الإستعمار سيفقد اسمه ومعناه إن لم ينسِهم دينهم ولغتهم وأصولهم _"تطلع إلى عمائر غرناطة ،وبكى ثم ضحك" ، تنتهي القصة بفصل الرحيل ولكن علي يضرب بالقوانين عرض الحائط يبحث عن جدته ويهرع إليها ويجدها في قبرها يهمس "لا وحشة في قبر مريمة "؛ حتى القبور قد ترحب بك ذات يوم اكثر من القصور ؛ اتمنى أن لا أكون قد حرقت أحداث الرواية ، أنهيتها ولا أملك أن أقول سوى أنها في الذاكرة .

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

قصة قصيرة : أصفاد صدئة




 
يُساق الى اللامصير؛يمشيء ببط كالتفاصيل كل شيء حوله يصلي صلاته الأخيرة هكذا خُيل له،هو الذي لايُعرف في هذا المكان إلا ببضع أرقام هزيلة لكنه في خارج جُغرافيته رقم يثقل كاهل التاريخ؛كُل صورة سوداء التقطت له هُنا تعلن عَليهِ الحداد!؛وبالرغم من كل شيء يشعر بأنه فاتح منتصر!

***

لأول مرة تفارقه سلاسله لم يكن ينتظر فراقا كهذا منذ يومه الأول هو ليس ككل المسجونين ،تتكاثف أمامه وجوه يَعرفها ينحني إعجابا لذاكرته اذ لم يسجنها السجن ولم تخضع لقوانينه!؛مايذكره من اتهامه أنه كانَ نزيها في زمن لا يؤمن إلا بالرذيلة؛و أن نفسه  لم تسول له ارتكاب جريمة كالصمت !،تعاود تلك الصور التدافع عليه مرة أخرى ،الورقة ،الجلادين ،عيني اسماعيل ، و"إلا من أكره"؛يرفع بصرِه يبحث عن فراغ ليضيعها يصطدمُ بورقتين وقلم ،أمامه على الجانبِ الأيمن الورقة ذاتها التي يُساوِم بِها على روحه منذ 15 خريفا؛أليست مفارقة عجيبة أن تؤدِي ورقة دَورَ الخلاصِ والحبسِ معنا !؛زَجت بهِ في أتونِ هذا المكان فَلبث فِي السجنِ بضع سنين ؛ أرعد وأبرق وزمجر فور رؤيتها وأعادَ هذهِ الأسطوانة بعددِ الأيامِ التي قضاها فِي هذا المَكانْ ،تعود مضرجَةً بالدماء بعدّ كلِ نوبةِ تعذيب أو حتى سعالٍ يُختتم بِها المشهد؛وتتقن غَسلَ نفسِها في كل يوم، كل لعناته وأحكامه التي يطلقها عليها وعليهم تجبرها أن تنز حبراٌ يذكرها بقدرها الذي لا يشاطِرها فِيهِ غيرها، صَفراءُ،وحيدة ،لا يقربها العث والغبار ولاحَتى بَقيةُ الأوراق ،تصفُ بِعنايةٍ تزعِجها وتستغلُ بالطريقةِ ذاتها،تحفظُ من فضائحِ الحكومةِ مالاتَحفظهُ ورقةٌ أنجبها التاريخُ يوماً ؛كل هؤلاءِ المارِقينَ فِي غِيهم ،المتجمهرينَ حولها بكافةِ شاراتهم العسكرية التي فشلت أفخر أنواع الأقمشةِ على حِمايتها من داءِ الحديد ذاك! يعلقونَ عَليها مِنَ الآمالِ مالايعلقُ عَلى حاكِمهم نفسهِ،لمَ لا ؟وهي من تقرر إن استحقوا ترقية تليق ببطولاتِهم  ؟أم هم أسمال بالية تنهي ملف تلك البطولات رصاصة؟ كُل شيء جائز هنا لا يحمل الحرام تأشيرة دخول هنا منفيٌ هو ومغضوبٌ عَليهِ إلا ما رحم ربك!ثم إنه بمجرد ولوجكَ حقلاً سياسيا لتعملَ فِيهِ كَوسيلة لتحقيق إجرامه يشبه أن تتنزه فِي منطقة موبوئة بالألغام! 

***

يُمسكَ بالقلم ؛يدهش من يده اذ لم يفنها السجن بعد ؛يُقلبها يحاول أن يحصي كم مرة خُلعت فِيها أظافره ولا يتذكر ؛حتَى الألم قابل للنسيان ، يقلب بصره يصطدمُ بهم يسترجع آخر حديثٍ سَمعهم فيه

يَشدُ عَلى أذنه حتى تحمر : هذه فرصتكَ الأخيره أتسمع الأخيرة!!!

يصفق بالباب يَصرخ فيهم : صَبرتم عَلى هذه المهزلة 15 عاما حَمقى!

أطعمناه بأسوء أنواع الأطعمه وأسقيناه العلقم بدل الماء،ألبسناه وأسكناه مالا تطيقه الحيوانات ،كنا نعصر ملابسه دما بعد كل جلسة تعذيب وتلك قصة لا يسعني قصها ، خلعنا أظافره من مكانها ظفرا ظفرا وشعره شعرة شعره وجلده ولحمه وعظمه،حرقناه وكويناه وجلدناه ،كسرناه،حرمناه من نصف كبده ورئته وكليته ؛أصبح جسده مشاعا لكل مرض خبيث حتى ربه كان يعبده عندما نسمح له! ،تعبنا ولم يتعب !،مللنا ولم يمل! وأنت عندما تتحدث عن كل هذا فهذا مشهد يومي تكرر أعوما ،15 عاما ولم نبق له منطقة من جسده إلا ومارسنا شرائع التعذيب عليها !

كل شيء كل شيء كنتم قادرينَ عله إلا رأســــه! إلا ر أ ســـَ ه

***

يَتحسس رأسه وَيبتسم ينظر لفرصته الأخيرة أمامه فِي ورقتينِ وقلم  ؛يزفر بضيق يبحلق بِعينيه ويُعجبُ بِهما مازالتا قادرتينِ على رؤيةِ الأشياءِ الجميلة يَختزل الجمال فِي عيني اسماعيل يُحيهِما من بعيد تُسعفه ذاكرته وتعيده لأجمل المشاهد التي عاشّها معه وتقف مطولا حيث لقاءِ البارحة !

يُميزُ طَرق الباب اذ لا أحد علمته أمه أن يطرق الباب هنا إلا العم اسماعيل ، هذا الكهل الذي يمارس معه دور الأبوة و البنوة منذ لا يدري متى وإلى لا يدري متى؟

يتوجَسُ خيفة ولا يحيه لايبحث عن الأب في عينيهِ كعادته ، يلقي بنظره وكفهِ في الفراغ ؛فكل شيء فارغ حوله هو فقط مزدحم!،توضع صينية الطعام تملأ بعض الفراغِ أمامه ،يوضع المصحف الذي يسربهُ له العم اسماعيل مع كل وجبةِ طعام ويأخذه بإنتهائِها،يتفحصه يبحلقُ فيه يهز رأسهُ ويرفع الصينية ويستدير

يستوقفه:وها أنتَ ذا تخاطِرني أيضاً !إلا متى ستظل تمارس دور الأبِ معي؟؛خيراً فعلت لا طاقة لِي اليوم بطعامهم ؛ثم إنهم لا يطعمونني إلا  اذا  اشتهوا ذلك!

يُسعد بهذا البوح:لا تخبرني عن السجنِ يا بني كأن لم تعرفهُ يوما ؛ لا يكَفي أن تحيا أضعاف ما عِشته هنا لتنسى سادِيتهم  لا تسمح لهم أن ينهوكَ كما اشتهوا أيضاً! ؛!،ثم ماهذا الوطن حتى تذبلَ هكذا فِي سُجونهِ ؟!

سَماء أسَرت لي ذاتَ يوم أنني ابنها الذي تحب!

يستفزه هذا الجواب ؛يقيمه على قدميه يهزهُ بعنف يمسكُ بقميصه يمزِقه ليكشف عن جّسدٍ مشوه يَسكنُ فيه: وَهذا ؟؟! ماذا عن هذا

يبتسم ؛ينظر في عينيه يتشبثُ بالأبِ فيه يمسك بيدهِ يرفعها حيث قلبه يعتذر بعينيه عن خشونة جلده : هذا هذا لاشيء _ كله_ ماداموا لم يستطيعوا تشويهَ روحي !

اطلق سراحك منهم يا بني أطلقها قبل أن يطالوا روحك!

لم أكن يوما سجينا ! ألم أخبرك بهذا ؟منذ يومي الأول وأنا حر!

لا يجيبه ينظر حيث السلسة التي ذرعها ذراعينِ في قدميه 

هذه!؛ليست أكثر من أصفادِ صدئة

لِمَ كُل هذا الإنحياز؟؟ وهذا الوطن بكم يدين لك ؟!

لا يرفع عينيه عنه ولا يجيبه ينهمك بإغلاق أزرار قميصه

يربت على كتفه ، يُغالب دموعه ،يحمل الصينية ويستدير بهدوء ،الفراغ حوله مرة أخرى في لحظة ينتبه للمصحف يستدير :عم سلميان نست الـــ....،ويكون قد غادر ؛لا يمكن هذه المرة لن يكتفوا بتكسير عظامك سيشنقوكَ بعدي ؛يعود لمكانه يتساؤل فِي ذاته لِمَ لم يطردوه في كل مرة يداهمون هذا التآمر عليهم ربما اقتنعوا أن مهمة اعطاء الطعام مهمة  إنسانية لن يطيقوها ولا تليق بهم ! يفتح مؤشر المصحف يملأَ نفسهُ بكل آيةويتوقف عند "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان"  لثواني ،دقائق، ساعات

وَيصرخ

لِم كل هذا!!!  كنت قد حسمت قراري لِم يا عم اسماعيل جئتَ لتعذبني بها !!

****

ينتبه لدمعةٍ وقعت عَلى جرحِ يدهِ فآلمته يَتحسس زِحامه ويَتذكر أين هو  ؛يَشعر بعينهِ تُحاصِرانه ينظر إليهما مطولا فتعاتبانه : أخائف من الموتِ أنتَ يا عِصام ؛ها أنتَ ذا وقعتَ في المصير الذي أوكته يداكَ ونفخهُ فمك فما أنتَ فاعل؟!

يُجيبه بالطريقة ذاتها : وَقعت ولست نادما عَلى ذلك ،وعن انحيازي يا عم "متهم أنا بالانحياز ولا أنكر ذلك الانحياز لمن هم تحت!”؛ واما وطني فلا يدين لي بشيء هُو فِي حل و "إني لأعجب كيف لوطن أن يدين لشخص بشيء ما في الوقت الذي يدين الشخص بوجوده لذلك الوطن"

 ينظر للجانبِ الأيمن إنها الصفراء ذاتها  أوهكذا تشيخ الأوراق ياهذه؛ في السجون !

****

يتجرع الدقائق يملأ رئتيهِ، يصطدم بعينيه :سأريحك بطريقة أو باخرى من ابن لا يجيد سوى قصص السجون  ، يشد على  القلم ينظر للجانب الأيسر

يوقع : عِصام

انتهت 

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

قوالب طينية





قَوالب طينية ،
وقالت نِسوة : الأربعااااء وَأخيراُ 
كنت أدفن نفسِي فِي مقعد من مقاعداستراحة التربية فِي اللحظةِ التي سمعتها أو تَوهمتها_الأربعاء وأخيرا_  قطعاالأربعاءهِي تلكَ التي تحضى بحب  لدَى الطلاب والموظفين عَلى حدٍ سواء والحب هُنا يَحمل تفسيرا يجد تأشيرة دخولٍ لساحَةِ المنطق ؛ كانت عِبارتهن صادقة كالطين انعكاسا لشعور فِينا يدعونا لنتنفسَ هذا اليوم بطريقتنا الخاصة خاصة بَعد مسيرة الإمتاحنات ومهرجاناتها التي دِعي إليها جَميع الطلبة بلا استثناء والتي لا يعلم متى تنتهِي إلى الله  ! ،كنت أحسب أنها_الأربعاء!!_تعنِي لطلابِ المدارس الكثير لككني اكتشفت مُؤخرا أنها للجامِعينَ أبلغ من ذلكَ !!، مَساء متخم بالكثير وأنا أندف عَن رأسي دَقاتِ الذاكرة التِي تعاود النبض كل حين فِي الوقت الذي يتربع فِيه جدول امتحاناتِي عَلى الجزء الأعلى من دفتري الجامعِي ،ألقيت عَليه نظرة يآآآآه وجِئت عَلى عَجل يــــا  هذا!  !أما أمكنك أن تتريث قليلا حتى أرتب الأمور التي تزدحم فِي بالرغم مِني أن تتريث حَتى أستردَ أوقاتِي المحشوة بالإنتظار_فِي الإستراحات والحافلات_ حَتى أستشعر الورطة التِي حَشرتنِي فيها قسرا ،حَتى أستفيق من حالة اللاشُعورِ التي أعيشها ولا أدرك كنهها فماذا يَعنِي أن أفقد فجأة ذلكَ الإحساس بخوف الإمتحان وقلقه أو حَتى الشعورَ بضرورة التحضير له ؟؟؟!!،وَكأنني فَقدت عَواطِفي القديمة مرة واحد وبطريقة أو بأخرى أجدِني أفتقد ذلكَ النوعَ مِن الإحساس الذي ينتابنا حَالما ننجز شيئا ونزيحه عَن كاهِلنا و.....نتنفس تَسألنني شَقيقتي قبلَ يومين "هل تُحبينَ الظغوط؟؟" احتجت هكذا سؤال وجائني قبلَ أن أطلبه  !!! أظنني سأفعل سأحبها مِنَ الآن  ، أجدها ذلكَ النوع من الأمور الغريبة التي تتيحَ لكَ اكتشافَ ذاتك وَكيف هِي ؟؟تٌوقظ فِيك قدرات خفية وجَبارة تنكرها أنت عَلى نفسك وتسافر بكَ بعيدا إلى ما وَراء أفق الزمن !! ؛ فِي هذا الوقت ليسَ أبرع مني وأنا ألوك الصمت وأنظر للأشياءِ بعين باردة أحاول أن أعلن سلاما داخليا معَ ذاتي وأشكل من كل شيء حَولي نسخة مطابقة مِني كذاتي كَتوئمين سِيامين عَلني أبصرني جَيدا!! . 





الأحد، 9 سبتمبر 2012

"أنلزمكموها وأنتم لها كارهون"!!


أنلزمكموها وأنتم لها كارهون
 

منذٌ ارهاصاتي الأولى وأنا لم أسمح لنفسي على أن تتعرف على شعور غيره_الأمل!!!_حاولةُ جاهدةً أن لا أتنفسهُ وأن أحبسهٌ في رئتي ما استطعت الى ذلكَ سبيلا كنتٌ أخشى عليه من زفِير يذهب به ومن كُل رفةِ عين واغماضة جفن قد تسرقهُ خلسة/عمداً مِني ! !

أدركٌ حتما أن كل شيء يستحقُ أن نتعب لأجله لـــنعيشَ فِي فردوسهِ وبعدد الجراماتِ ذاتها

زجاجةُ الماءِ الرابعة التي ابتعتها اليوم وأنا أتكيئُ على لوح التعب الذي أوشك على اغتيالِي بلا هوادة لولا أن تداركتُ نفسي ؛ ولا أدري لم شعرتٌ لحظتها وأنا أقف فِي طابور المحاسبة أن أمالِي "هُنا" جفت كما يجفُ الماءٌ هناك_فِي دمي_؛ رفعت رأسِي هنيهة للسقف أفتش فِيه عن مأوى من هاجس يخنقني تأملته مليا ثم تنبهت أنه لا شيئ حريُ بالتأملِ أَكثر من جَدولي الدراسي الذيِ استلمتهٌ البارحةو أن هذا التأمل هو الحيلةُ الأقوى لدقائق الإنتظار هذه

"كم هو قبيحٌ جدولِي لا مساحة أنيقة فيه!”

تعبت من ترديد هذا الهذيان لكنني مع ذلك مازلت أمارسه بكلِ تفاصيلهِ الكامله! ليس بسبب وَرقةٍ ألزمت بها ولم أشأ اختيارها يوماً بملأ ارادتي وحسب!!! الأمر يتعدى هذا بأَشواط القضية أشدُ تعقيدا ولن يفهمها "سِــــواي"وتحتاج لتفكير عميق فِي مقتضياتِ القادم بإذن المولى،هذه الورقة نعم هذه!قلبتَ كل الموازِين لدي ومازالت تظل عّن السراطِ المستقيم هداها الله! ؛ثم إنهُ ما ذنبي إن كان المري عندي أضيق من ابتلاع ورقةٍ رتبها الحاسوب بعناية !وهضمها

أفقت من كُلِ هذا على صوتِ مغنطةِ الجهازِ أمامي؛ولجتُ خارجَا متجنبةً الزحام وبأقل التكاليف صعدت السلالم ومشوارُ البحثِ عن مقرِ نظمِ المعلوماتِ في بدايته؛مازالَ الجدولُ فِي يدي اليمنى وكتابنَ لتوفيق الحكيم فِي يدي اليسرى قلبتُ الثلاثة سريعا ولكن لم أستطع أن أبرأ من هذين السَطرينِ وهما يجوسانِ فِيَ سَريعاً!

أ _"أحلامٌ كبرى صرنا نتمنى أن لا تتحقق ،لأنَ تيارَ حياتنا لم يَعد آمناٌ للسباحَة

وَأحلامٌ صُغرى لم تعد ذاتَ قيمة لأنَ تحقيقها صارَ يُشبهُ احتفالا صغيرا فِي مَدينة منكوبه"*_ا

بعد مشوارٍ لا بأس به اوصلتٌ فيه زميلتانِ التقيتهما في المحاضرة الأخيرة لبغيتهما فِي نظم المعلومات وكنت سعيدة بوصولنا سالمين كسعادةِ من ينجزُ مهمة!

جميل ان يَجعلنا الانجاز نبتسم أحيانا هو الذي يقتلنا انهاكا

وأنا أدب عّلى سطح هذه المباني توقفت مطولا فِي طريق العودة لا لشيء فقط لــــأبتسم وليس انجازاً آخر أضفته ليومي كان السبب بل "هِــــيَ" ا

للمرة الثانِيةوفِي البقعةِ ذاتها ؛حَقيبتي تؤلم كَتفِي ؛والكتب وزجاجة الماءِ يتملصانِ من يدي وأنا أحاول جاهدة أن أفر إن لم يكن بيدين بيدٍ واحدٍ عَلى الأقل لـــأسلمَ عليهَا و"أبتسم"و"أبتسم"و"أبتسم"ا

تتبسترُ فِيها تلكَ النظرةُ الحالمة أملاُ وحٌـــبا وَشوقا وَطـــهرا تتمتم بلغتها حمدا للهِ عَلى الحال؛أحاولُ أن أطيل الحديث مّعها ؛أحيانا نشتهي الحديث نظنهٌ أرحم بنا من ذلكَ الصمت بالرغم من أن صمتها وحّديثها سِيان فلعينيها البلاغَةُ كُـــلها كادت تلكَ العينين أن تنطق أن تصرخ من العمق :متضرحاً “بالجرحِ”منتعلاً “أناي”،متشرقاً بالـــ”آهِ”مرتوياً بِــــها

فِي المرةِ السابقة نظرت إليَ مطولاً وهي تردد "شُكـــــرا" ثانية وثالثة قبل أن تسعفها لغتها عَلى انهاءِ الأولى

ثم لــــمَ الشٌكــــر وليسَ أي شُكر ذلكً النوع من الإمتنانِ الذي لا تجدهٌ الا نادرا وربما لَـــن تصادفهٌ يوما ذلكَ الـــذي تحكِيهِ "الـــروحُ" قـــبل "الجسد"ا

كنت سأدفعٌ أليها برقمِ هاتفِي لأصادِقها لو كانت تفقه لمَ لا كم هِي مصادقةٌ "عُمالِ النظافةِ" يسيره لا تحتم عليكَ برستيجاٌ معينا ولا حتى أدنى مستوى ثقافِي ليسَ أكثر من "ابتسامةٍ"و"مصافحةٍ"أنيقة،

. كُونِــي صَديقتي ليسَ فِي الأمرِ انتقاصٌ للأنوثة*بتصرف !!!ا


سَعيدةٌ أنا لأنني التقيتٌك مجدداُ وَسعيدةٌ كَفي حَتى بملمسِ يديكِ الخشن _”فعلٌ ما قد لا يقودنا إلى السعادة ،ولكن لا سَعادةَ بدونِ فعلٍ ما"*_،ثم إنهما_كفيكِ_اجترا لِي من الذكرياتِ ما يكفي أذكرٌ مما أذكر أن عاملةَ منزلنا تشعرنِي بضآلتِي فِي كثيرِ من الأحيان وأنني لا أملكُ من خلقِ الأمانةِ الا أضعفَ الإيمان إن لم يكن لاشيء،عاملةُ منزلنا التي قالت لي يوما وأنا أعاتبها على تأخيرِ وقتِ نومها وأن هناكَ من الأعمال مالايضر تأجيله أنها لن تستطيعَ النوم ولو حاولت وأن قلبها يتسارع ضيقاً إن لم تكملها هِي نفسها التي أدهشتني احدى افعالها فِي ليالي رمضانَ المباركة اذ مررت من أمامِ غرفتها لحاجةٍ ما فِي الغرفةِ التي تليها واذ بي أسمع منبه الساعة يرن كانت الـــ2 ليلاً مع العلم أنها كانت قد واصلت النهوض منذ فجر البارحة وسألتها عن سرٍ هذا النهوضٍ فأجابتني أنها تخشى أن نستيقظ فِي الثالثةِ والنصف ولا نجدُ السحورَ جاهزا وليتها اكتفت بهذا ؛فِي الأيام الأخيرة لرمضان كانت تواصل النهوض ولا تغمض جفنا خشية أن يأخذها النوم وتتأخر على حد قولها فِي تجهيز كوبِ من الحليب وبضع لقيماتٍ يقمن صلبنا

وباءت جَميع محاولاتنا بالفشل ومحاولاتُ الجميع بشتى الطرق حتى التهديد لم يفلح معها

هناكَ أدركت أن لهذه الإنسانة قوةً داخلية تحركها أكبر من قوانا نحن جميعا لإيقافها

ماذا أقول أنا التي تتذمر من جدولِ مزحوم وبضعَ موادٍ دراسية لا تتمناها بالرغم من أنها لا تكلف نفسها أكثر من الذهاب الى قاعة المحاضرة ويأتيها كل شيء باردا بلا عناء ،ماذا أقول أنا اتلي لم تفكر يوما أن ذلك الجدول أمانه وماتدرسه أمانه وكل كتاب يحتم عليها دراسته أمانة ستسأل عنها يوما

أينَ أنا منكن

وأينَ معلمتي فِي الصف الثاني التي كانت تشرح لنا الدرس فِي دقائق وكانت فيه من الزاهدين وتنصرف ولا نراها الا في موعد الحصة القادمه التي لم نفقه ما قبلها لنفقهها ،أينَ منكما تلكما الطالبات اللواتي كنت أشعرُ بالبؤسِ وأنا أرقبهن يغششن الامتحانَ كاملاً بلا حَياء ويتفاخرن بعملهن البطولي وكيف أن الأستاذة لم تقنصهما بل أين أنا مرةً أخرى لأنصحهن وأعلم عنهن بهدفِ الاصلاحِ لا الفتنه والكثير الكثير مما لا تجزيهِ كلمات!

؛هو درسٌ عصيٌ على ذاكرتي أن تشيعهُ ليذهب؛فأنا مازلت أتنكب طرق الحياةِ الخاطئة!

اننا حقا نحيا لتتعلم

ونتعلم لـــنحيا!

الأحد، 5 أغسطس 2012

SQ150" رقمٌ فِــــي الذاكرة


ورقة في ذاكرة جامعية

"SQ150"
"رقمٌ فِــــي الذاكِرة "

لَم أشعر يوماً أن "الساعة الواحدة" ستشكلُ نقلةً كبيرة كهذهِ فِي حياتي  ولم أكن أضعُ فِي الحسبان أن 
بين الساعة وأختها فَواصلُ زمنيةٌ لا يَسعني حصرها ؛ فمنذُ أيام ونيف وهذا التاريخ بالتحديد (30-1-1012) يقتتاتُ صبرِي ببطء ؛والبارِحة تأتِي الــــ12 لتؤكدَ لِي الشعور ذّاته
أيعقل!!! ألا تتشابهُ الساعات أليست كل واحدةٍ منهن تلدُ ستينَ دقيقة وثانية ؟؟ ولمرَتينِ متتاليتين أؤمن أن بينهما نقيضُ ما بينَ المشرقينِ والمغربين و أنهما الواحدة والثانية عشر_ سمائان وأنــــــا ذلِكَ الطائرُ الذي لم يكن يدري وإلى وقتٍ قريب أينَ وجهتهُ منهما ؟!! _
ولأن الأمنَ الذي اجتاحني بعدهما يعد ترفاً مقارنةً بالخوفِ قبلهما كان لابُدَ من هذا البوحِ هنا !
البوح (أ):
وهَكذا قضى الله أمراً كانَ مفعولا وتَختزنُ ذاكِرتِي هذا الرمز
وَحيثُ أعدت لهُ متكأً ليضل فِي ضِيافتها إلى ما شاء الله !!    SQ150 
وكالأقدارِ التي لم نجشم أنَفسنا عناءَ البحثِ عنها يوما  تلكَ التي لم يُعجزها يوماً أن تجيبَ تساؤلاتنا  أجدنِي في حضرةِ "جامعةُ السلطان قابوس" وَتؤذنُ لِي "كُليةُ العلوم" لأصلي فِــــــيها صَلاةَ العلماء تلكَ الصلاةُ التي مازلتُ أستقرئها  نفسي كُل حين!!
البوح (ب):

أمِي : طِفلتُكِ الصغيرة تعلمتَ كيفَ تسبحُ فِي تيارِ الحياةِ بمفردها مراعيةً كُلَ تدابيرِ السلامةِ والأمان  ،لم تعد تُزعجكِ كُلَ صباحٍ لتضفري لها شَعرها قبلَ أن تفوتها حافلةُ المدرسة وتقضي اليوم في المنزلِ مع الملل كعقاب  ، لم تعد تعجُزكِ وهي ترسمُ بالألوانِ الشمعية التي تتملصُ من يديها هِي اليوم تتقنُ مسكها ، شَبتَ على الطوقِ بقدرِ ما أردتِ ، لم تعد تغضنُ لكِ وجهها كلما علمتها درسَ الهجاءِ والتشكيلِ والقراءة قَسراً ، تدركُ أن الفرقَ بينَ التاء والثاء أكبرُ من كونها شامةً زائدةَ على جبينِ الثاء وأن الذالَ والدال ليسا أخوين سقطَ أحدهما على الأرض فعلى رأسهُ كدمةَ  بقدِر ما هما حرفانِ فِي لغةٍ  تسكنها ، تعلمتَ  وأخيراً أن لا تُزعجكِ بالأسئلة بقدرِ ما تُزعجُ الكتب حتى تنتزعَ جواباً لأي شيءٍ يستفزها فِي هذهِ الحياة ، أن تدعوا دعاءَ النومِ قبلَ أن تغفوا وتأكل وتُسافر وتنتعلَ حِذائها !، والكثيرَ الكثيرَ يا أمي هَديتني إليهِ بدعواتِكَ يا جَميلة ، تحفظُ أن سورةَ الفاتحةِ سبعُ آياتٍ كما علمتها يوماً وأنها لا تسقطُ فشي أي ركعة !، تؤمن بما حفظته  أركانَ الاسلام وطلع البدرُ علينا وأن الكعبةُ قبلتها ومحمدٌ رسولها والإسلامُ دينها ، مَن يُهدهدُ غربةَ رئتي سِواكِ يا أُمي؟؟ ، من أتوسدهُ أحلامِي فيرعاها ولا يغتالها سِواكِ ؟؟! مَن يفرحُ بقدرِ ما أفرح غيركِ ؟؟
أنتِ امتدادٌ لمُنايَ وأنايَ مَــــعاً يا أجمل من عرفتُ مِنَ الــــ"مُنى"!
سَقاكِ الله بِقدرِ ما أسقيتني فِي هذه الحياةِ إيماناً وحباً وأملاً
سَقاكِ من الكوثرِ فلكم أعطشتُكِ أنا بِشقاوتي دهراً
أنتِ التي لا يسعني الحديثُ عنها لأن الحديثَ لا يَجزيك ويُجزِيكِ حـــــتى


والِدي :
كَبرتُ يا والدي وبقدرِ أمالكَ فِيَ أردتُ أن أكبر ، كَلماتُكَ ،نَصائحُك !جَبيني عندما تَضـــيعُ أفكارِي يا والدِي تلكَ  التي لازلتُ اتدثرُ بها مذ كنتُ طفلةً تتقن إغرائها بِكلِ مافيك ، أيـــــها الجَميل تَحضرني الآن أوراقُ الذاكِرة ورقةً ورقة وَسطراً سطراً حرفاً حرفا والكلماتُ هنا تفرُ وجلةً  أن يفتضح عوزها !!، يا أبتِ إني قد جائني من حُبكَ مالم يأتني من حبُ "رجل "على هذهِ الأرض فأنا التي تدبُ على سطحِها وجملةُ أحلامٍ فِي كفِها ترعاها وتسقيها بكلِ ما أوتيت من ماءِ الأملِ والعيش ، مازلتُ كلما قرأتُ سُورةَ البقرةِ تقفزُ فِيّ الذكرى بلا مِيعاد ،فأنا تلكَ الطفلة التي تنازلت لها ولِشقيقتها التي تكبرها وشقيقها الذي يصغرها من وقتكَ دوماً يومَ كنتَ تعود إلينا من "جامعةِ الزيتونةِ" فِي تونس ومن زَخمِ الحياةِ والدراسةِ والعمل تؤتينا نَصيبنا من وقتك ولم تكن تنسانا أبداً كفرضٍ سادس كنا فِي بابِ أولوياتك  ، عَلمتني كيفَ أتهجأُ "آلــــــمــــ" حَرفاً حرفاً كيفَ أفكُ رموزَ الرسمِ العثمانِي فِي المصحف كيفَ أفتحهُ وأمسكهُ وأطردَ الشيطان ، كَم أنت عظيمٌ لتعلمَ طفلةً فِي صَفها الأول كيفَ تتلو سورةَ البقرةِ وبإتقان وَتعودَ الحياةُ لتذكرني بمقدارِ عظمتك  يومَ طلبتَ مني أن أقومَ بالأمرِ ذاتِهِ مع "ابراهيم وَزينب" لأستمرَ فِي الوضعِ يومين وأطالبَ وبقوة "اعفائاً" فوراً من مهمةٍ كهذه فأن تُعلمَ طِفلاً كَيف يتلو صفحةً من القرءان أو حتى صفحةً من كتاب هي ذلكَ النوع من المهامِ الجبارة ،أنـــت الذي زرعت فينا ومازلت حُبَ العلمِ والكتب وَمازِلنا لليوم بِضميرِ الجمعِ "نحن" لم نَثمر كما ترغب لأن ما ترغبُ بهِ دوماً لا سَقفَ كِفايةٍ له و لأنك تمتلكُ ذلكَ النوع من المقايس التي لم ألحظها عند غيرك ، الكتبُ التي ملئتَ بها رُفوفَ مكتبتنا حتى ضاقت بها تشهدُ لكَ ،وكُلُ مؤسسةٍ تعليميةٍ فِي وطني تشهدُ لكَ أنتَ الذي ما تفتؤ تأتينا كل يومٍ من الجامعةِ  محملاً بحكاياها حتى سكنا ذلكَ المنى روحياً قبل أن نطأه!!
  رَبيبتُ يديكَ "أنــــا" لا عَدمني اللهُ ظلكَ أبداً  ،
 بقدرِ ما علمتني هذه الكلمة "شكراً" أقولها
وبقدرِ ما هِي "ضَئيلةٌ " فِي حقك سأعتكف لأتعلم غَيرها!
أمُي أبــــي ، سَـــــــــــــــــامِحانِي وَ"فَقط"!!

أشقائِي ، لِفاطِمة الجميلة أنتِ عصفورةُ قَلبي الذي لن أطلق سَراحها منِي ما حيت فَسامحيني عَلى هذا تلكَ التي يأنفُ القلبُ أن ينبض قبلَ أن يشعُرَ بمساحَتِكِ حوله! كوني بقربِي حتى اتنفسَ جيداً  أنتِ التي لا تَشبهينَ سِواكِ سِوى " فاطِمة " ، ألهميني بِكِ دوماً يا اختي ، ويحيى وعائشة والبقية أتمنى لكم حياةً تليقُ بِكم ، ومستقبلاً لا يخبوا جمالهُ ولا ينضب !
وَجدتِي التي علمتني درساً أشعرني بضآلتي إلى اللحظة ، جَدتِي التي علمتني أن معادلاتِ الحياةِ أشدُ بلاغةً فلا يَتطلبُ الأمرُ يقيناً أن أعرفَ الحالةَ الفيزيائية لهذهِ حـــتى أتمكنَ من حلها :

N
2(g)  + 3H2(g)           =            2 NH3(g)
ما كُلُ الأمورِ يتوقفُ الإبداعُ فِيها إن جهلتُها ،جدتي التي تحفظُ القرءان عَن ظهرِ قلب وَهي لا تَعرفُ كيفَ تقرأُ أو حَتــــى تَكتب فأضل مشدوهة لها دوما وهِي تحكي لِي كيفَ أنها لا تفقهُ سِوى رسم المصحف !
أما هذهِ يا جَدتي فَــــتُبكيني !!
وَجدي :ذلكَ الإنسانُ الذي نَذرَ نفسهُ لكلِ سفرٍ تسافرُ لـــهُ الروح ،هُوَ الذي لا ألتفتُ إليهِ إلا وأرى لِساناً ذاكراً تمضغُ الذكرَ بصمت  ، يُعجبنِي هذا المشهد بقدرِ ما يُدميني !!
عَلمني كَيفَ أدمنُ الذكرَ مثلكَ وأحفظُ الدقيقةَ والثانية من وقتي عَلمني يا جَدي !!
تَحضرني يا جَدايَ عِبارةٌ لِـــعلوان نَشرتها  يوماً فِي صَفحتي
"أكثرُ الأماكِن دفئاً أحياناً وُجوهُ المُسنين إنها تُريدُ أن تخبرنا نَحنُ الذينَ مازِلنا نَتسكعُ أولَ الطريق عَن الكثير من خبايا الحياة ولكنّ صمتَ هذهِ الوجوه يتركُ لنا تنوعاً ثرياً للاعتبار "
لجميعِ الأهلِ ولمن تربطني بهِ لواشجُ الدم ، قبلةُ عَلى قُلوبكم وشُكراً لكلِ شيءٍ استقيتهُ منكم
البوح (ج) :
لِصديقِ طُفولتي الجميل "ابراهِيم" لا تروقني كلمةُ خالي قبل اسمك أنا أكبرُكَ بشهرين *_*
لن أقولَ لكَ كيفَ هنا عَليكَ فآآآثرت الإبتعاثَ إلى الخارج ،ولن أُكفركَ فِي قرارٍ آمنتَ بِهِ بـــ"كُلك" فما أنتَ بمؤمنٍ لنا ولو كُنا صادِقين، أنـــا فقط أصلي لأجلك، ما زِلتُ أذكرُ قولكَ لي الأسبوعَ الذي انصرم " دَاقة فراسِي أسوي بعثة !!" لتكن كذلكَ إذاً حَتى تُنهِي دراستَكَ الجامعية بأكملها آزركَ ربي ما حَيت ، ثُمَ إن التجارةَ تَروقكَ دوماً يا صَديقي ، أتذكُرُ يومَ بعت لِي " كَرتونَ المفرقعات " "وَعصى الطماشِ السحري " بِنصفِ الثمن لأن لِي حبوةً عندك ، وَيومَ بادَلتني بهديةِ الصفِ الأولى لأنني أُحبذُ المكعباتِ عَلى السيارة رغم أن هديتكَ أفضل بحكمِ أن علاماتِكَ كانت أنيقةً أكثرَ مِني ، أتذكرُ نَخلةَ منزلكم التي تَحفظنا يقيناً من كثرِ ما اثرنا الشغب تحتها وأرجوحةَ "المالِ" وَشجرةَ الرمان التي احترقت ، وَحماماتك التي أعرتني واحِدةَ منها فماتت وأقمنا عليها العزاء ، أنا لا أخشى أن تنسى كُلَ هذا يا "ابراهيم" أنت حتما أكبرُ مِنَ نِسيانٍ كهذا ، كُل لحظَةٍ وأنت تَرفلُ بالهناءِ والسعادة وَتاجِرٌ صَدوقٌ كرسولي إن شاء الله !

لِصَديقتي "خَديجة" اتذكرينَ احساسكِ الذي لن يخيب ،سأُحققهُ ، وأنا أعني ما أقول ، أنا التي كنتُ قبلَ أيامٍ أتقلبُ فِي وَعثاءِ التسجيل ،أتذكرين  
   وَ"ما نروم عنش " وَ"ما من فوادِي أقلش سَجلي " ، والكثيرَ الكثير مما لا يُنسى  watsupمحادثَةُ "الـــ
يا فتاة مضى وشاءَ الله أن نكونَ فِي الصرحِ ذاته ،وفقكِ ربي !
لِمارية أيتها الوفيةُ أبداً أتمنى أن تَكونَ الـــ"هندسة" خَياراً ناجحاً لكِ يا صَديقتي صَلواتي ودعواتي لكِ أينما كنتِ
وَ"مريم" بقدرِ روحكِ الطيبة وحضوركِ الندي لا عَدمنا اللهُ إياه ،أرجو لكِ قصةَ كفاحٍ صَدقيني لن أتخلى فيها عنكِ ،أشاطركِ الكفاح و"الكرف" و"الدح" ما شِئتِ !
شَذى ، أميمة : أنتما بالقلبِ حَتى لو أبعدتنا الأمكنة!
هالة وشيم  : الهندسة والتجارة تروقكما !
عَبير علا سارة ومروة ، وإنهُ ليحزنني فِراقكن و اتمنى أن لا يجخفكن العالمُ خارِجاً حقكن يا جَميلات
لزَهراء :بحقِ كُلِ ذكرياتِ الطفولة ،أتمنى أن تصلني الجامعةُ بكِ يا فتاة
لجميع الصديقات ، هُنا وَهُناك قلتها سابقاً وأُعيدها أنا لن ألفظكن خارجَ قلبي كما ألفظُ آخر حُلمٍ بقلبي  
وَتبقى الأرقامُ والرموزُ فِي الذاكرة كجسرٍ يصلني بكلِ من عَلمني أبسطَ شيء فِي هذهِ الحياة
"رَبي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه "