لا أدري ما الذي حملني على تذكر مشهد اندمل منذ سنين وتوارى لبركة ماء آسنة في قعر قلبي ، ألئن الطريق السريع المؤدي لنزوى يجتث زوابع الذكرى بقوة ورعونة ، أم لهفة أبي وهو يترنم بأبيات البوصيري و يقود بنا للإحياء مناسبة المولد النبوي وجدت الطريق لتحرث قلوبنا ايضا، أم أنه وبكل اختصار شبح الموت الذي ما أفتؤ أتذكره حتى أكون كمدا أو أكون من الآسين وهو يغزو رأسي بطيش ، لو أن لي بقوة أجعل بيني وبين هذه الذكرى ردما فتغوص سبعين خريفا إلى حيث يتعذر عودتها ،إلى حيث يقطن كل مثخن بالنسيان
لكم ردح من الزمن سأحيى ؟؟ كم تبقى من عمري وهو يتساقط في كل ثانية ؟؟ هل سأحي لـــ16 خريفا أخرى ؟؟ ملاين الأسئلة تعترك داخلي فتذرني كالعهن المنفوش
أحاول تذكر ملامح وجهها ،أحاول عرقلة الأحداث ليتسنى لي التفكير بشخصها ،أنازع البقاء لأذكر كلماتها او ما تبقى منها ،ضحكاتهاوذلك اليوم
7سنوات اقتطعت من التقويم ،7سنوات مذ اضمحلت الإبتسامة واكفهرت معاني البسمة ،مذ عانقها التراب أسمى عناق ،مذ تفحمت ذكراها على جدران ذلك المنزل ،حفرت الحدث حيث الأرض خصبة متعطشة لمثل هذه الأحداث التي تغدق بها أكف القدر ،كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا نقدر على شيء هوى علينا الخبر ،سوداوية الأحداث تخيل لى بكل تفاصيلها الحلكة ،الطارقة ،شفتيها القرمزيتين المحتقنتين بحديث وري التراب معها ،عيناها الساهدتين رغم نومهما المؤبد ، رائحة الموت ،شرائع الغسل ، خطوط وجها التي احالتني آلة متخشبة زيتها جففته حرارة المشهد ،حيث انتهى الوجود ،رغم الدموع التي تسيح بسخاء تجرع من حولها ملوحتها ،مالحة هي الدموع ! كل الدموع ،اصطرعت عاجزة أمام طلاسم الحياة رغم كل معالم الحركة التي تحقق معادلات الفيزياء ،أخرسني المشهد والكل يحاول استنطاقي لكن عبثا يحاولون في الرماد ينفخون عيناي ضنتا بدموعي والمشهد شراهما بثمن بخس دارهم معدودة وكان فيهما من الزاهدين ،لم يحتج لها ليرمم شقوقا حفرت بصمت ،ضرب بها عرض هامش الأحداث أور بما أدرك أنها لن تعيد روحها ولن تساهم حتى في تقديم سطر أو تأخيره ،شعور كذاك ليس وليد اللحظة ولا ابن الدقائق القلائل ،شعور كامن مذ دفنت رطن كلماتي على عتبات ذلك المنزل وتوقفت عن الهيام والصياح بــــ"ماما زينب "ظلت للحظة تأبى ان تلملم شتاتها وتخضب جراحها بالواقع ،تأبى التصديق ، الماثل أمامها
مشيت الهوينا وتنفست الصعداء ،همت على وجهي أبحث عن أمي ،وجدتها وقد توارت عن الأنظار كي لاتزيد عمق الجراح وتحول دون برأهما ،أضعت نفسي يوم بصرتها عَسُرَ المخاض وانطلقت دموعي تطلق صرخة في وجه الحياة ،غدقت عيناي بالعطاء انتزعت رغما عن أنفها فنصاعت بعد أن أدركت أن لافائدة من الجدال ،تظل تبوح بالأسرار دوما ،لتسقيني كؤوس المر ثقلا ،يوم اذعنت لنداءات قلبي المتوالية وهي تجوس في داخلي ،حطمت القيد بعد أن حز تاركا خلفه مايعبق بؤتون السجن ،الحرية شيء رائع لا يختزل بالوصف حتى في قواميس الجمادات
وجوه شاحبة حبلى بالآلام، ملامحها تعربد بحزن آسن والكل منكسر الفؤاد ،يحاول تجبير ما بالآخر ، لكن كيف تطلب أمي من خالتي الصبر والتجلد وفي عينيها اليأس والقنوط ؟وكيف يعطي الفقير الجائع خبزة إلى الجائع الفقير ؟وكيف يصف العليل الدواء لعليل آخر هو أحرى بالدواء ؟
أن من المرارة أن تفقد أمك وتوصد في وجهك باب من أبواب الجنة ،صعب أن تفقد من يثكلك ومن حملك بوهن ووضعك بوهن وفطمك في عامين اثنين !!
لذت بالفرار من تلاقي الأحداق ،تحسست ركن جدار حيث الإبصار صعب وأصخت أستمع لنوائب الدهر وهو يقصها بنتشاء ،ويدق مسامير كلماته بدقة متناهية ،خطوط الدمع تشق طريقها وهو ممهد بلا عناء صهرت شمس ذلك اليوم معاني العيد ألقت رفاتها لنعش استنقذه الليل وبصعوبة من براثينها
أحسست بمخاض الأحرف وهي تلد الكلمات ،ملامح الوجوه كلها تعربد بحزن آسن،ساعتها فقط أدركت أن حبيبا لنا قد فقد ان جزءا مني بتر وهو سليم أدركت أن جدتي احنضنها التراب وللأبد فتركت كلماتي على جدار يريد أن ينقض ،على جدان ماتبقى من أشلاء الطفولة وصورها وهي حاضرة ،صوتي هلع يلعلع في داخلي وبشد ، بيد أني رغبت بالذهاب ،والعدو خلف الرجال بدون حذاء كي أسرع وأمسك جدائل شعرها قبل البقية وطرف ثوبها قبل الكل ،أستقطب بصرها لتتلاقى أحداقنا لأسمع ما يسمعه الحفيد من جدته ،رغبت جنونية سكنتني أن أتبع جنازتها وأطبع على وجنتها قبلة وداع ،أن أحفر اسمها بدموعي وأوصي التراب بها
"اللهم من بواطن القلب حيث الشريان التاجي ينبض أدعوك وأنت قريب مجيب أن تدخلها فسيح جناتك "
لا أجد في ذاكرتي من السلوان سوى "قفا نبكي ......"
رحلت نعم رحلت ومسكنها في القلب ماشطت وما اقتربت
أنا الآن أدرك وبعد دروس "البرستيجية " المطولة انه ليس من الذوق أن أروع الراقدين تحت الثرى بسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق