السبت، 28 يوليو 2012

المنسِيونَ ..وَلقمةُ القاضي

-

قصةٌ قَصيرة :

يغص بِي هذا المشهدُ التيجرادِي ككلِ رَمضان ، ويَصِلني أنينهم يخدشُ أسماعِي  ،لا أحد يذودُ عنا طعم الحِرمان ،ونحن نغلِي فِي طنجرة الفقدْ ،دونما تَبخرٍ يُريحنا ونتوسدُه للأبد  ونزّدرِدُ العيشَ بِملإِ ارادَتِنا لَأننا لم نَكن يَوماً فِي قَوامِيس "العيش" سِوى أجسادٍ حُبلى بــــالأَوجاع ويأتِينا الموت حَتى فِي لُعبِ الصغار وّنُــّــــنسَـــى ..

 يَجرِي فِيَّ دمٌ فِلسطِنيٌ مِنَ النُخاعِ إلى النُخاع ، لِي خَمسةٌ مِن الأطفالِ بَراعِمُ تزهُرُ فِي قلبِي كلما جَفَ ماؤهُ وَأجدنِي أقلبُ كَفيّ عَلى ما أنفقت فِي هذهِ الحياةِ من آمال ،فِي كلِ يومِ قبل أن يحينَ موعدُ الإفطارِ لينسوا جُوعهم وما ينسى أطفالِي الجوع لأن نَوباتِهِ تزورُهم طِيلةُ أيامِ العام ، أحشُوا رُؤوسَهم الصغيرة "حَكَايــــا"عَـــن أُمةٍ  تدعَى العَرب كَـــانت تَعيشُ من المُحيطِ إلى الخليج ،عَــن يَحيى عَياش وأحمد ياسين ومحمد الدُرة ،عن لذةِ السجودِ فِي ساحة الأقصى ،وّحكايا يافا وَعكا والناصِرية وبيت لحم والضِفة الغربية ،بل وحتى عّن عذرِ اليهود فِي حفرِ الأقصى زعماٌ منهم بِوجودِ هيكلِ سُليمان  وعن أنبِيائِهم فِي بغداد "ناحوم ويونس وحزقيل "وغيرهم ، وأختم كل ذلك بوصفِي لقمةً القاضِي لهم يومَ كانت والدَتِي تتجشم عناءَ الذهابِ إلى ميناءِ رفح  الذي لا يبعدُ الكثير عن منزلنا لِتحضر لنا دقيقاٌ وّلا عجبَ أن تغيبَ أمي أسبوعاُ لِتعود إِلينا حاملةُ في كَفٍ بُطولاتها مع الجنود وَكيف ضّربت هذا وسَفكت دم هذا أكثر مما تّحملهُ فِي كفها الأُخرى مِنْ دقيق ،وتصنعُ لنا "لقمةً القاضي" ويكونُ نَصيبُ كلٍ منا حبةُ واحدة والباقِي توزعهُ عَلى أطفالِ الحي فلا يبيتُ طفل إلا وفِي فمهِ دعوة خيرة لها ،لم نكن نتطمعُ فِي أكثر من حبة كانت تَكفينا لِنفرح حتى ينتهي اليوم  ،لَم أتلو عَلى أطفالِي يوماً حروفَ الكره ولم أعلمهم كَيفَ يرسموها عَلى دفاتِرهم الصفراء ، أخبرتهم أننا "نحن" من فِي الأرض نبني لِأنفسنا الأجمل فِي "السماء" ،حتى وإن شارَكونا فِي كل شيء في الماءِ والهواءِ وشاطرونَ الحلم ؛هم يَحلمونَ بِوطن ونحن كذلك ،وتُنكص العُهودُ بيننا وَبينهم لِأجلِ هذا الحلم، والفرق يٌؤجلُ الله احلامنا ولا يَنساها ويُمتِعهُم بِتحقيق أحلامهِم حَتى حِين! ،أخبرتهم أن رمضان شيءٌ لن يجرؤا عَلى مشاركتنا اياه ،هُوّ لنا لـــــنا وَّحدُنا !

وَعلى السفرة التي فِيها لبنٌ بائتٌ منذ البارِحة  وتمرٌ فقد طعمهُ، وكسرةٌ يابسة ،ذكرتني بأمي يومَ خبزت لنا ذاتَ يومِ خبزاً فِي تنورِ القرية ،وعادت تحملهُ بكلتا كفيها فتعرضَ لها جُندي كالعادة ،أسقطها عَلى قفاها فاحتضن الخبزُ ترابَ أرضي وسقطَ عصاها تحتَ قدميه التقطتهُ بِسرعة قبلَ أن تأكل دابةٌ الأرضِ منسأتها ،كانت تؤمنُ أبداً أن أقدامَ الصهاينة بيئةٌ مناسبةٌ لِتكاثرِ الدواب ،وكلما رأت دابةُ تتبختر من دوابِ الأرض قالت :"قدمُ جنديٍ آثمةٍ مرت من هنا"

أين أنتِ يا أمي عّسى رَمضانُكِ فِي الجنانِ على قدر أحلامكِ!

أناديهم بِخمستهم :فِراس ،فارس ،أسامة ،عَلياء ،خنساء ثلاثونَ دقيقة ويؤذنُ المؤذن أينَ أنتم ؟

 كانّ مِنَ السذاجة أن أسالهم وأنا أعرفُ يقيناً أين هم ،إنني لأعجب من نفسي رُغم يقيني بان رائحة ذلكَ المشهد لن يخلقَ سِوى ضيق فِي نفَسي و قلبي إلا أنني وَجدتُنِي مُحتاجاً لأتنفسهُ ،كانت مُجازَفةُ مني أن أذهب وبدون بَخاخِ التنفسِ لم يَكن اهمالاً مِني صدِقوني بل لأني وَبِكلِ بَساطة لا أملكُ واحداّ ولو كنتُ أملك فكانَ أمراً طبيعياً أن أملك لــــِأطفالِي ما بللوا أَنفُسهم بانتظارِه  !

أُصلِحُ قيافَتي ،وّأحملُ دَراهِمَ معدودة فِي جَيبي وأجثو حيثٌ يقعدونَ القرفصاءَ كدأبِهم عصرَ كُلِ رَمضان، عَلى بَابِ منزلي الذي أكل الدهرُ منهُ وشرب حتى انقطع صوت ازيزهِ مطلقاً آخر صيحةٍ تشي بموتِهِ البارحة  ،أعطى من عمرهِ لِساكنيهِ إلى ما شاءَ الله ،ومع ضجيج الأزقةِ وصخب المكان يَظلُ صوتُ أملٍ لا يخبوا من أعينهم ،يتَفرسونَ فِي وجوهِ المارة بشطط وَيتلون سُورةً لا يَسمعها غيرهم وأكادُ أجزم أنها سورة "الماعون" ،أجدنِي أنا السببُ فِي كثير من تصرفاتهم فكلما ازدادّ حنقهم وتطاير غضبهم من شَضفِ العيش ،أتلو لهم سُورة الماعون فيهرعون إلى الباب أًخبرهم أنه لا بُد من يقرأٌ هذه السورة ويعطِي الماعون، يتجَرعونَ الدقائق ويلوكنها بصمت، ثلاثون دقيقة حملوها كُلَ أمالهم فِي أن يحضرَ لهم أحد صحنٌ بِهِ "لقمةٌ القاضِي " بِعددهم هم لا يَطمعونَ بأكثر من ذلك !  

تَنتِبهُ لِي الخنساء

"أَبي "؟؟؟

وأفهم من لَحنِ صوتها أنها ستسألني ما لا أقوى عَلى اجابتها بِهِ

أخبرتني ذاتَ يوم أن فِي العالم.بليار ونصف البليار من المسلمين ، وجارُنا أخبرني أن كُل مسلمِ يقرأً القرآن ، حباً فِي الله أبِي ألا يَقرأونَ الماعون ؟!!

يلتفتُ إليها فارِس : وَما أدراكِ أنهم لا يقرأون

يَحتقنُ وجهها : لو كَانوا يفعَلون لَما فَكرت أن تنفقَ وقتك انتظاراٌ لِشيء كانَ سيئتيكَ قبل أن يرتدَ إليكَ طرفك لو كانوا يَقرأون الماعونَ كما نفعل !!!

يُشيح فراس بِوجهه لِكي لا نبصرَ دموعه ، آآآه يا طفلي أنت دوماً تنتحبُ بصمت

اتركهم يَنتَظِرون ولو كنتُ معهم مِن المنتظرين لكم بِطريقتي الخاصة! لأن الإنتظار هو الحيلة الأقوى لِحالنا المرة

أسحب قدمي إلى الداخل سامحاٌ للتفاصيل بأن تنداح وتغتالني ، أجلس أمام تلكَ السفرة امضغ وحدتِي  سَيعودونَ حالما يؤذنُ المؤذن وفِي كفِ كل واحدٍ حلم جريح يُعالج جناحهُ ليعاود الطيرانَ غداً

ودقيقة تمشي وأختها دواليك ويؤذِنُ المؤذن يَشُق الأرجاءَ كالصارِم ،هذا الصوت الذي لن تُفلح دباباتهم ومُدراعتهم وطائراتهم فِي اغتياله ولو كانَ بعضهم لِبعضٍ ظَهيرا

 وَقبل أن أُ عَلِق بَصري على الباب ،يتقاطَرونَ إلى الداخلَ الواحِدَ تِلو الآخر

وَزهراتِي الصغيرة ليست سَعيدة كما يفرحُ الصائِمونَ بالأذان ،وألوانُ حَياتي مكلومون وَمجروحونَ وأنا لا أقوى عَلى علاجهم ،

يقططعُ ابني فِارس التقويم قبل أن ينتهي اليوم ، اليوم لديه ليسَ أكثرَ من لُقمةِ قاضِ يأكُلها وباستمتاع  ،يدخلُ اسامة وبابتسامةٍ مُتخشبة وكأنما ليضيع الصمت :

لقد أذن تقبلَ الله منا ومِنكم

والخنساء بكدمةٍ حمراء فِي عينيها :

ذَهب الذينَ يعطونَ الماعون يا أبتِ رَحلوا كما رَحلت جَدتِي وغصت "أٌمِي" فِي بلعومها ،تُسافِر الأحلام يا ابنتي للذاكرة لكنها لا تندرس تُفطِرين على حلم أنيق يا صَغيرتي

عَلياء الصغيرة كانت آخر من دَخل تجلسُ بِجانبي تعلقُ عينيها عَلي :

"أأبي"

وأصمت !!

سأتذوقُ يوماً لقمةَ القاضي أليسَ كذلك ؟

وأصمت !!

وتلحُ علي بِعينيها الصغيرتين وأرحمها وأجيب

بالطبع ، فِي الجنةِ أجمل لقمةِ قاضٍ لكِ فِي الجنةِ لن تَكونِي من المنسين

ابتهجوا يا زَهراتِي الصغيرة ابتسموا لكي لا يَسرقوا منكم صِباكم

حباً فِي الله لأجل القدس ابتهجوا ،لأجل كل المنسين هُنا وَهناك  ، لأجل أن تأتيكم لقمةٌ القاضِي يوماً وصَدقونِي سأيتي ذلكَ اليوم !!!

تمت



قل سَلامٌ عليكم كَتبَ ربُكم عَلى نفسهِ الرحمة 

كيفَ هو رَمضانُكم أيها الطيبون فِي غزة والقدس والعراق وأفغانِستان وَيُغسلافيا  رَضيَ اللهُ عنكم وعنا ،لا بَأس احتَفِظوا بالسؤالِ والجوابِ معاً فأنى لا طاقة لِي بالتحمل !!

” whatsap”ـ البارحة نَشرتُ هذهِ السطورَ فِي الــــ

لم أكن أرغب فِي كلمةٍ تنتقدُ أو حتى تمتدحُ ما كتبت بقدر ما أردت فِعلا يخلصنا من نسيانكم أيها الأحبة

يستوقفني هذا الحَدِيثٌ فِي كلِ مرة "اتقوا النارَ ولو بِشقِ تمرة " وأطرحُ عَلى نَفسِي التساؤل ذاتهُ أينَ مِنا "إنما نطعمكم لوجهِ الله " ؟ وألتفتُ على من حولِي هل ترغبونَ فِي أن يقيكم الله يوماً عبوساً قمطَريرا؟؟ فيجِيبونني بِملأ الفاه "أجل"،واليوم لا أدرِي ما الذِي حَملني عَلى فتحِ ثلاجةِ منزلنا وعدِ كم تمرةً فِيها !،أنهكنِي العد وتنازلتُ سَريعاً عن هذه الرغبة ، وهذا الحديث يقفزُ كلما سمعت أحدهم يسأل "لِماذا لا نُشاهِد فِي مجتمعاتِنا تلكَ الجمعِياتِ الخيرِيةِ التي تتكفلُ بالصدقات؟"ومنذٌ ارهاصاتِنا الأولى ونحنُ ما نفتؤُ نسمعُ هذا السؤال يتكرر ؛أحقاً الأمرُ يحتاجُ إلى جهةٍ رسميةٍ تتبناه ؟ حُباً فِي الله ألا ترونَ أن الأمر أشبهُ بالمبادِيء التي نسقى إياها منذ الطٌفُولةِ الندية ! ، ورغم ذلك لا أجدنِي سُقيتُ اياها بالطَريقةِ التي أحب ،بالرغمِ من أني أعيشُ فِ منطقةٍ جُغرافية تهتم بهذا الأمر ، أبصرهم يخرجونَ زكاةَ المالِ والذهبِ والأضحيةِ والفطرِ وغَيرها ،لكِنني أحبُ أن أقف على هذا الحرفِ ،منذٌ الصِبا وأنا أشهدُ 29 من رمضان وأصنفهُ صمن الأيامِ الأشدِ روعةٍ فِي حياتي ويتكرر مشهدُ توزيع الصدقاتِ فيه وتتكرر الفكرة وبالرغم من كلِ شيء لم أكن أشارِكُ ولو بِقيد أنملة ،كانت طَقسا يستفردُ بهِ الكبارُ مذ كنتُ طفلة ،وكبرت صَدقوني أنا الأن بعمرهم ولكن ما زالَ من يتبني الأمر هم ذاتهم وأذكر مما أذكر من أرتال الذكريات أن عمتي اصطحبتني يوما فِي أول أيام عيد الأضحى لمنزلٍ يسكنهُ "الفقر" كنتُ ألح عليها أن أمسكَ كيسَ اللحمِ بيدي ولأنهُ ثقيلٌ علي على حد قولها انتزع مني ، كنتُ شاكرةً لها لأنها اصطحبتني ولو كانَ ذلكَ عارِضا لا مستقصدا أن تلعمني معنى أن أبسطَ يدي لغيري ،شاكرةً لها وان لم تقسم لي من ذلك الكيس بما تتحملهُ طفلة ،لأستشعر معنى أن أمسكَ بيدي شيئاً يثلجُ صدر غيري ، منذ الصبا ونحن نؤمنُ يقيناً أن هذا الطقس خُلق للكبار وليس لنا منه نصيب ،ابتعتُ يوماً لِخوتي حافِظةً نقود "حصالة " وَقرأتُ عليهم أن ما يوضع عليها للفئةِ التي تحتاجهُ، استفقت مؤخراً على أن ما فعلتهُ لم يثمر لأن حماسهم للفكرة انطفأَ أخيراً وأدركتُ ذلك فماذا يفهم طفل ولو اسبغتُ له وصفاً ماذا تعني الفاقة والحاجة ، هنا تذكرتُ عقابا عاقبت بهِ أمي اخوتي لأنهم لا يكملونَ صحنَ أكلهم اطلاقا،أجلستهم أمام شاشةِ التلفازِ قسراً أرتهم مناظر لأطفال جوعى ومَرضى ومن يومها لم يجرؤا على اعادةِ فعلتهم لأن ذلكَ المشهد لم يندمل فِي ذكراهم لليوم فما أجمل لو اصطحبنا إلى دورِ الفاقةِ والأيتامِ والرعايةِ الإجتماعية بدل الحديقةِ كل شهر لِيكبر فينا شعور الإحساسِ بالغير كلما كبرنا ولا يَغفوا ،حينها أصدقكم القول لن تسمع من يُطالب المجتمع بمؤسسةٍ خيريةٍ تؤتي أكلها كل حين ، وأن لا نَظل نحنُ صغاراً فِي من يكبرنا وما زلنا نتهجأحروفَ الحياة فكل صغير سيكب لا محال ربِ اجعلنا ممن بَسطَ كفيهِ وأطفأ غضبكَ ولو بِشقِ تمرة .
اصيلة الكندي

هناك تعليقان (2):

  1. عن قصّتك :
    لغةٌ ناضجة ، بها قبساتٌ قرآنيّة وتاريخيّة ..
    ثيمتُها راقية ، تمنّيت لو تداركتي الروتينيّة في العُقدة والحل وانفصلتي بشيءٍ أكثَر تميّزاً .. ولو كنتُ مكانِك لما أفسحت المجال لـ تكون تلك النصائح الأخيرة في قصّتي ، يدعوها ذلك لتكونَ خطبة وليست قصّة !

    استمتعتُ بهذه اللغة الأنيقة كثيراً
    دمتِ صاحبة رسالة :’)

    ردحذف
  2. هالة:
    عّن ما خُطَ فِي الأعلى،فاللغةُ لم تَكن سِوى وَسيلة،والإقتِباسات القرآنية هِي ذلكَ النوع من الكتابةِ الذي يسيطرُ عَلي ولا أقوى عَلى التخلصِ منهُ والعجيب أنني لا أجدني أَكلف نفسي عناءَ التفكيرِ فِيها تأتِي بدونِ موعد ، عَن الروتينةِ في العقدة والحل فأنا أُدركُ السبب كتبتها بَأسرعَ ما يمكن وما كنتُ أدري كيف ستنتهي بمعنى أننيِ لم أعتزم عَلى جعلها قصة لكن فّرضت هِيَ نفسها ،ولا بأس سأحررها لاحقاً لأتدارك ذلك ،وعن الخطبة *_*،اممم هذا لأنني لا أستطيع أن أتخلصَ من التدفق ولا أتقِن التكثيفَ مثلكِ !!
    واللغة الأنيقة هِي نعمة نتمنى أنْ لا تزول
    دمتِ خيراً

    ردحذف